هاني حبيب - النجاح الإخباري - بعد إجراء بايدن مكالمته الموعودة والمتأخرة مع نتنياهو، تبيّن أن تعمّد التأخير في إجرائها لم يكن لتأنيب وتأديب لنتنياهو، بقدر ما كان انطلاقاً من تطورات سياسية مهمة تتعلق أساساً بالملف النووي الإيراني، فقد جاءت المكالمة عشية المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن مع نظرائه البريطاني والفرنسي والألماني حول الملف الإيراني، وقبل يومٍ واحد من قيام إدارة بايدن بإلغاء طلب الولايات المتحدة بعقوبات دولية على إيران، بحيث تبدو واشنطن كأنها أقدمت على الخطوة الأولى المطلوبة للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، بعد لغطٍ واسع حول من يخطو الخطوة الأولى: طهران أم واشنطن.
لن نخوض هنا في التطورات المحتملة للموقف الأميركي المشار إليه إلا من زاوية ارتباط مكالمة بايدن مع نتنياهو، ذلك أننا نقدّر أن توقيت إجراء هذه المكالمة يرتبط أشد الارتباط بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية في ظل إدارة بايدن حول هذا الملف بالتحديد، فالمكالمة أمّنت كما نرى إزالة العائق الإسرائيلي من أمام عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي من خلال تحييده واحتوائه، بعدما ظهر أنّ هناك موقفاً إسرائيلياً متجدداً وأكثر حدة تجاه عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، أعاد إلى الأذهان ذلك التحدي الذي أظهره نتنياهو لعرقلة التوصل إلى هذا الاتفاق أثناء ولاية الرئيس أوباما، وعندما كان بايدن الرئيس الحالي نائباً له، وهنا يمكن ملاحظة أنّ البيان الأميركي حول المكالمة وصفها بالجيدة، بينما قال البيان الإسرائيلي: إنها ودية. وفي ملاحظة لافتة، تحدث البيان الأميركي عن مسيرة السلام في المنطقة من دون أن يتناول حل الدولتين، وقد تم تفسير ذلك من قبل خبراء وساسة في أميركا وإسرائيل أنها محاولة من قبل بايدن لاسترضاء نتنياهو؛ للتخفيف من إمكانية عرقلته للتوجه الأميركي بخصوص الملف الإيراني.
تعتقد إدارة بايدن أن بوسع إسرائيل وضع عراقيل حقيقية أمام عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي. ذلك أن هناك احتمالاً كبيراً للاصطدام بالكونغرس من خلال تيار واسع من أصدقاء إسرائيل في الكونغرس يمكن لهم التجنّد لوضع صعوبات أمام هذه العودة، ويقود هذا التيار زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور شومر، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس السيناتور مينديز، وكلاهما من أشد المعترضين على العودة للاتفاق، كما أنهما من أشد المناصرين والداعمين لإسرائيل، وقد لا يستطيعان وقف التوجه للعودة إلى الاتفاق مباشرة، ولكن بإمكانهما وضع عراقيل أمام توجهات بايدن في الملفات الداخلية كشكل من أشكال الضغط، في سياق صفقات على مجمل السياسة الداخلية والخارجية لإدارة بايدن.
وفي خطوة محسوبة بدقة، أقدم نتنياهو على تعيين مستشار الأمن القومي مائير بن شبات مسؤولاً عن الملف النووي الإيراني، ومبعوثاً شخصياً له في هذا الملف الذي يعتبر بالغ الحساسية بالنسبة لإسرائيل، وذلك بعدما كان الحديث يدور عن تعيين رئيس الموساد الإسرائيلي سفيراً لدى الولايات المتحدة ومسؤولاً عن الملف الإيراني، هذا الأخير كان انتقد تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي كوخافي المتشدد إزاء الموقف الأميركي من العودة إلى الاتفاق النووي، وهو الأمر الذي أدى كما يرى العديد من المراقبين إلى تنحيته عن هذا الملف، ذلك أن نتنياهو يتجه إلى المواجهة مع واشنطن في هذا الملف، وفي هذه الحالة لن يخدم موقف كوهين الذي يريد التعامل بهدوء ومرونة مع إدارة بايدن، بينما بن شبات رغم عدم وجود علاقات له مع قيادات أميركية فاعلة في الكونغرس، وأنه لا يجيد الإنجليزية، وغريب عن وسائل الإعلام، يمكن له أن يخدم سياسة المواجهة كونه يتخذ نفس موقف نتنياهو المتشدد، ليس حول هذا الملف فقط، ولكن مع كل السياسات الخارجية الأميركية الجديدة في ظل إدارة بايدن.
عن الأيام