طلال عوكل - النجاح الإخباري - هو لن يكرر خطأ أيهود أولمرت، الذي استقال من منصب رئيس الحكومة حين وجه له المستشار القضائي تهم بالفساد، أوصلته من بيته إلى السجن. سيحارب نتنياهو الدولة التي ساهم في صناعتها، وأضفى عليها الهوية العنصرية حتى لو اضطر لخوض مغامرات ضد القضاء، الذي عينه بنفسه وضد الشرطة، وضد وسائل الإعلام الفاسدة التي ساهمت في فساده، وساهم في التغطية على فسادها.
واسعة وشاملة معركة نتنياهو، فهي تشمل إلى جانب ذلك المعارضون في حزبه والمنافسون في الوسط السياسي فضلا عن حملة الكراهية والتحريض التي يشنها ضد مواطني الدولة من العرب، وقد يجر البلاد إلى حروب ومعارك أوسع في الإقليم.
بقدر نرجسيته المفرطة، فانه فوق ذلك مجنون لا يتورع عن ارتكاب جرائم وخوض حروب، من أجل الحفاظ على وظيفته ومستقبلة السياسي، حتى لو كان على مواطنيه ثمنا باهظا. قبل ذلك كان نتنياهو قد حاول إنقاذ نفسه، من خلال وضع البلاد تحت طائلة التهديد القومي الوجودي كما قال، عسى أن يؤدي ذلك إلى امتناع أو تراجع المستشار القضائي للحكومة أفخاي مندلبليت عن البدء بالتحقيقات معه على خلفية ملفات الفساد، لكن ذلك لم يقدم له حبل الإنقاذ، ولم يقنع منافسيه بالاتفاق معه على تشكيل حكومة برئاسته.
نتنياهو يقف عمليا في بداية الطريق إلى السجن، فلقد بدأ بعض أعضاء حزبه يتخلون عنه ويبحثون عن زعيم آخر، عسى أن يوفر ذلك فرصة لتشكيل حكومة وحدة وطنية ولكن بدون نتنياهو.
يسعى جدعون ساغر إلى عقد اجتماع للحزب، من أجل اختيار بديل عن زعيمه الذي يقاوم بكل ما أوتي من قوة، لكن فرص إنقاذ نفسه باتت ضعيفة.
كانت الولايات المتحدة قد قدمت لنتنياهو هدية تاريخيه حين أعلن وزير خارجيتها مارك بومبيو أن الاستيطان لا يتعارض مع القانون الدولي. لكن الإدارة الامريكية التي يقف على رأسها شخص يشبه نتنياهو في كل شيء تحاول أن تقول للإسرائيليين أنها تقف إلى جانبه، وأنه الأفضل لكم ولمصالحكم. ولاحقا أرسلت الإدارة الامريكية إلى إسرائيل رئيس الأركان، في محاولة أخرى للمساعدة في انقاذ نتنياهو ربما من خلال التهويل بالتهديدات الوجودية التي تحدث عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية فإن نجح في ذلك كان بها، أما إن فشل في اقناع الاخرين، فالأرجح أن ذلك يشكل مؤشراً على إمكانية أن يدفع نتنياهو الوضع نحو خوض حروب في الشمال أو الجنوب.
تساوقا مع ذلك يحاول نتنياهو تضخيم الخطر من الجنوب مع غزة، حين يعطي أهمية كبيرة لاختراق طائرة أو حوامة مسيرة انطلقت من غزة.
بعض المسؤولين الإسرائيليين يتحدثون عن الخيارات مع غزة، فإما هدوء لفترة طويلة ،وإما حرب شامله على القطاع. من الواضح أن نتنياهو أمامه فسحه من الوقت ،فإذا لم ينجح معارضوه في الليكود في إزاحته ، واختيار بديلا له ،فإن الأسابيع الثلاثة التي منحها الرئيس الإسرائيلي للكنيست ، ستمضي كما مضت الأشهر السابقة ،وتنتهي إلى إجراء الانتخابات للمرة الثالثة.
إذا تركنا التفاصيل على أهميتها فإن مؤشرات تطور الازمة في إسرائيل ،تتجه نحو المزيد من الاختلالات والتناقضات في المجتمع وفي الطبقة السياسية ،بما قد يشكل بداية لانهيار الدولة بسبب مفاعيل العنصرية الداخلية ،التي لا تبقي لمتبجح أن يدعي بأن إسرائيل واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
داخليا تشكل الهوية العنصرية للدولة ،بما تفرض من مفاعيل الصراع والتفكك ،عامل الهدم الأساسي للقلعة ،أما خارجيا فان استمرا السياسة الإسرائيلية في إدارة الظهر للقانون والمجتمع الدولي من شأنها أن تؤدي إلى تشديد العزلة على الدولة . وبالمناسبة فإن نتنياهو ليس الوحيد الذي تحدث عن تهديدات وجودية للدولة ، وهو منطق لا يستوي مع الدول الطبيعية والاصيلة، فلقد سبق لعديد الكتاب الإسرائيليين المهمين، أن كتبوا مرارا حول العمر الافتراضي للدولة.
في هذه الحالة ليس على الفلسطينيين ألا أن يصبروا وأن يعززوا صمود المواطن على أرضه، وأن لا يتوقفوا عن فضح الجرائم والممارسات العنصرية، التي تزكم رائحتها أنوف المجتمع الدولي. فضلا عن ذلك فان ما يجري في إسرائيل يفترض أن يدق نواقيس الخطر لدى الحكومات والحكام العرب ،بعد أن وصلتهم رسائل الولايات المتحدة التي تبيعهم الوهم ،وسرعان ما أن تتخلى عن أقرب حلفائها.