طلال عوكل - النجاح الإخباري - ليس اكثر جنونا ورعونة من الرئيس الأمريكي الشعبوي دونالد ترامب، سوى من يصدق أن الولايات المتحدة، يمكن أن تقبل شراكة مع أحد، أو أن تصدق في تحالفاتها. طويلة التجربة التي خاضها النظام العربي الرسمي في علاقاته ومراهناته على الولايات المتحدة، وآخرها تجربة بعض الدول العربية التي راهنت على دور أمريكي لحماية أمنها الاستراتيجي المهدد، والحفاظ على بقاء واستقرار تلك الدول لا حاجة للعودة كثيرا إلى الوراء، فالتجربة مع دونالد ترامب منذ أن تسلم مقاليد رئاسة البيت الأبيض، تكفي للتوصل إلى استخلاصات جذرية، تضع الولايات المتحدة في مكانها الصحيح باعتبارها العدو الأول والأكبر والأقوى للمصالح العربية.
منذ أن دخل البيت الأبيض، أظهر ترامب تفانيه وإخلاصه للمخططات الإسرائيلية التوسعية، وإدارة الظهر للحقوق الفلسطينية والعربية التي ضمنتها قرارات وقوانين الأمم المتحدة. غير ان الأمر تجاوز ذلك إلى ابتزاز المال العربي، بدون أن يكون لهذا المال ما يقابله من وعود بضمان أمن وحماية الأنظمة التي يتطلع ترامب إلى تجفيف مواردها وإمكانياتها وإعادتها إلى زمن الصحراء.
لكأن ترامب يدير مسرحية هزلية، لم يكن آخر فصولها إعلانه الانسحاب من شمال شرق سوريا، تحت عنوان توقف الولايات المتحدة عن الانخراط في حروب عبثية لخدمة من يكرهون أمريكا. الأنظمة العربية التي راهنت على الحماية الأمريكية ابتلع مسؤوليها ألسنتهم، إزاء هذا القرار الذي أحدث ضجة في الولايات المتحدة وأثار مخاوف كاذبة لدى قيادة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
بعد أن أدلى ترامب بتصريحه حول الانسحاب أتبعه بتصريح مضلل، يهدد فيه تركيا من أنه سيدمر اقتصادها في حال قامت بعملية عسكرية تستهدف قوات سوريا الديمقراطية (الأكراد) الذين ادعى ترامب أنه أنفق لدعمهم الكثير من الأسلحة والمال. تركيا باشرت العملية العسكرية بدون أن ينهض ترامب من فراشه، بالرغم من الرفض العربي والدولي لتلك العملية. مثلهم مثل العرب الذين راهنوا على الحماية الأمريكية يشعر الأكراد بالخذلان والخيانة إذ شكل القرار الأمريكي بالانسحاب، التعاويذ التي تسبق ذبح الضحية.
الأكراد العراقيين كانوا قد تلقوا ضربة موجعة من الولايات المتحدة، حين امتنعت عن دعم الاستفتاء على الاستقلال قبل أكثر من عامين. قرار ترامب الانسحاب من شرق سوريا، يثير الكثير من الشبهات حول الأهداف الحقيقية من وراء مثل هذه الخطوة المفاجئة، بدون أن يعني ذلك التخلي عن دور الولايات المتحدة في هذه المنطقة، التي استهدفتها أمريكا بسياسة الفوضى الخلاقة وإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، من خلال تفكيك الدولة الوطنية.
عدا عن أن الانسحاب الأمريكي يشكل التوطئة لبدأ تركيا بعملياتها العسكرية، فإن الولايات المتحدة تعتقد أن إسرائيل هي الطرف الذي يمكن أن يملأ الفراغ. بالتزامن طرح وزير الخارجية الإسرائيلية مبادرة علنية تبدي خلالها إسرائيل بتقديم الخدمة العسكرية والأمنية، مقابل التطبيع العلني مع الدول العربية وبخاصة الخليجية، وتوسيع دائرة التعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري.
تعتقد إسرائيل أن دول الخليج التي تواجه التهديد الإيراني. تحتاج إلى حليف قوي قادر على حمايتها، خاصة وأن الولايات المتحدة كانت قد تحدثت علنيا وحاولت إقامة حلف سني في المنطقة تكون إسرائيل جزء منه.
السلوك الأمريكي الانسحابي لم يتوقف على شرق سوريا، ولقد وقفت الولايات المتحدة بالكلام والتهديد الفارغ أمام سقوط طائرتها المسيرة، والقصف الذي استهدف منشتين نفطيتين لشركة أرامكو في السعودية، مما أدى إلى تخفيض الإنتاج إلى النصف. حين ذاك قال ترامب بالفم الملان أن أمريكا لن تشن حرب على إيران ما يعني أن أهل المنطقة عليهم أن يقلعوا أشواكهم بأيديهم أو أن يضعوا كل مقدرات بلادهم تحت يد الولايات المتحدة.
هذه هي أمريكا أيها العرب وقد حان الوقت للبحث عن بدائل، ينبغي ان تكون قبل كل شيء، مستندة إلى القدرات العربية أساسا، ذلك أن الولايات المتحدة لم تغادر الموقع التاريخي الذي مارسته منذ زمن في مقدمة الدول المعادية لمصالح الأمة العربية.