طلال عوكل - النجاح الإخباري - ثمة جدل يفتقر للموضوعية، بين أطراف النخبة السياسية الفلسطينية، بشأن تقييم مدى فشل أو نجاح مؤتمر البحرين، الذي انعقد خلال الأسبوع الأخير من شهر حزيران. الخطاب السياسي الرسمي و الفصائلي عموما يتحدث عن فشل المؤتمر، و البعض يرى انه ولد ميتا قبل ان يبدأ. نفهم ان مثل هذا الخطاب يتأسس على طبيعة تفكير و عمل الفصائل، فهي تنبني على استراتيجيات وأهداف بعيدة المدى، تفصلها مسافات عن أرض الواقع، الأمر الذي يلزمها بمواصلة التمسك بتلك الاستراتيجيات و الاهداف. ربما كان أيضا على الفصائل أن تعزز مواقفها الرافضة للمؤتمر ولصفقة القرن عبر مواقف ارادوية تتطلب الحديث عن فشل المؤتمر والصفقة، انطلاقا من أن الفلسطينيين لم يحضروا المؤتمر ويرفضون الصفقة من أساسها.
تخطئ السياسة الفلسطينية كثيرا إن هي اعتمدت في سلوكها سياسات ومواقف تستند على فرضية أن المؤتمر قد فشل في تحقيق أهدافه. أن تتبنى السياسة الفلسطينية فرضية فشل المؤتمر وتعمل واقعيا على أساس ما يمثله من خطورة، و ما ينجم عنه من تغييرات كبيرة في العلاقات الفلسطينية العربية، فان هذا يتطلب سلوكا مغايرا تماما للسلوك السائد. غير ان استمرار السلوك ذاته، خصوصا استمرار الانقسام، يشير إلى أن الفلسطينيين يقعون في تناقض شديد، من شأنه أن يشكل جزءًا من الفشل الفلسطيني في التعامل مع صفقة القرن عموما، وحلقته الأخيرة مؤتمر البحرين.
في الحقيقة فان مؤتمر البحرين حقق النجاح المطلوب من انعقاده، فلقد نجحت الولايات المتحدة في جمع الدول العربية المعنية، والمنخرطة في الصفقة أو يمكن أن يكون لها دور فيها من خلال استخدام امكانياتها في الضغط على من يعترض على الصفقة.
هذا يعني أن الولايات المتحدة تواصل اعتماد السياسات أحادية الجانب، التي تفرض على الارض المزيد من الوقائع المؤسسة لمستقبل أوضاع الفلسطينيين بالعلاقة مع إسرائيل والمحيط العربي. والصفقة نجحت في أن تشكل فرصة لدفع عملية التطبيع، التي تتقدمها دولة البحرين رسميا بوقاحة منقطعة النظير.
الرفض الفلسطيني وعدم توفير الغطاء للمؤتمر سيظل ناقصا على أهميته و لا يتناسب و خطورة الاحداث فضلا عن انه لا يكفي لمواجهة وإفشال الصفقة.
الادارة الامريكية تواصل التعبير والعمل من موقع انحيازها المطلق لإسرائيل، بدون اي حساب لردود الفعل الفلسطينية والعربية. لم يرد العرب على تصريحات جيسون جرينبلات، التي يقول فيها انه لا يوجد احتلال للضفة وغزة، وأن هناك خلاف بشأن الارض، وبأن قرار مجلس الامن رقم 242 لا يرسم حدودا، و بما أنها أرض متنازع عليها فان ذلك جزء من خطته للسلام.
يعترف جرينبلات أن القيود الامنية الاسرائيلية المفروضة على الضفة تشكل سببا في الازمة الاقتصادية التي تتعرض لها السلطة، اما رئيسه دونالد ترامب فانه يعترف بوقاحة أن بلاده توظف المال للضغط على الفلسطينيين، من أجل إرغامهم على التعامل الايجابي مع صفقة القرن.
كل هذا السلوك وهذه المواقف و هذه السياسات التي تعلن الولايات المتحدة التزامها بها، وآلية تنفيذ هذه السياسات، يشير إلى أن الصراع يتجه نحو الانفتاح على كل الحقوق وكل الارض الفلسطينية.
دوليا لا يمكن المراهنة في ظل الظروف الراهنة، و حتى في الافق القريب، على ان ثمة دولة او تكتل دولي او مؤسسة مهما كانت اهميتها، يمكن ان تشكل بديلا عمليا للدور الامريكي. و في كل الحالات فان اسرائيل ترفض على نحو قاطع، التعامل مع اي مبادرة خارج سياق الاستفراد الامريكي. اذا كان ثمة اقرار فلسطيني بخطورة المرحلة الراهنة، بما تنطوي عليه من تهديد جدي للحقوق الفلسطينية، فانه من غير المقبول اطلاقا، ان يستمر سلوك و اوضاع الفلسطينيين على ما درجوا عليه خلال المرحلة السابقة. ان استمرار الاوضاع على ما هي عليه، ينطوي على اتهام للقوى الفلسطينية، بان تمسكها بالحسابات و السياسات ذاتها يشكل جزءا من البيئة الصالحة لتسهيل نجاح المخطط الامريكي الاسرائيلي، و يضع علامة استفهام على مدى جدية موقف الرفض.