طلال عوكل - النجاح الإخباري - قمم بالجملة و مصائب بالجملة ايضا طلال عوكل لم يمض سوى شهرين فقط على القمة العربية، حتى دعت المملكة العربية السعودية الى عقد ثلاث قمم دفعة واحدة خلال يومين فقط في نهاية شهر مايو المنصرم. القمتان الاوليتان الخليجية و العربية، انعقدتا خصيصا لمناقشة بند واحد فقط، و هو الذي يتعلق بالوضع المتوتر مع ايران، اما الاسلامية فقد كان انعقادها دوريا و ليس طارئا، و كان عليها ان تعالج اكثر من موضوع، بما في ذلك الموضوع المسجل دائما على جدول اعمالها و هو الملف الفلسطيني.
هكذا ترفع المملكة العربية السعودية، ملف التهديد الايراني الى صدارة الملفات و الاهتمامات العربية بالرغم مما تتعرض له القضية الفلسطينية من مخاطر، و ما كان لها في مثل هذه الحالة الا ان تحظى بدعم كامل من قبل الدول العربية التي حضرت القمة. الاعتداءات التي وقعت قبالة سواحل دولة الامارات العربية المتحدة، و بحق منصات انتاج نفطي سعودية، كانت قد اشعلت فتيل الصراع و التوتر على نحو اعتقد معه البعض ان حربا قادمة لا محالة في تلك المنطقة، سيمتد لهيبها الى معظم مناطق الشرق الاوسط. يعرف العرب و غير العرب ان ما جرى و يجري في مياه الخليج، ليس سوى تحريك للملف بادرت اليه اطراف صاحبة مصلحة في رفع مستوى حرارة الوضع، بهدف تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة،
و دفع التحالف العربي مع الولايات المتحدة درجة اخرى او درجات، فضلا عن ان الولايات المتحدة لديها اعتقاد اتضح انه خاطئ ، بان ضغوطها الشديدة على ايران قد استنفذت اهدافها الى الحد الذي سيدفع نظام الملالي الى الاستسلام للإرادة الأميركية. وفق حسابات دقيقة لأثار و ابعاد و نتائج حرب قد تنشأ في الخليج و انطلاقا منه، فان التحليل الموضوعي يستبعد مثل هذه الحرب لأسباب تتعلق بتكتيك و استراتيجية الولايات المتحدة في التعامل مع العرب و ثرواتهم، فضلا عن قراءة للمخاطر التي يمكن لإسرائيل ان تتعرض لها في حال نشوء مثل هذه الحرب التي ستكون ضروسا. الايرانيون من جانبهم لا يفكرون بخوض مثل هذه المغامرة، لأسباب اخرى تتعلق باستراتيجيتهم الناجحة و المثمرة في التعامل مع مصالحهم في المنطقة، حيث تحظي ايران بوجود قوي في اليمن و سوريا و لبنان و العراق و فلسطين. المحصلة ان العرب الذين القوا خطابات نارية في القمة العربية، حيث ادانوا السلوك الايراني و دعم ايران للحوثيين و استنكروا الدور الايراني في سوريا، و اعتبروا ان امن و استقرار الخليج هو جزء مهم من الامن القومي العربي.
هؤلاء العرب لم يرتقوا بدورهم الجماعي الى المستوى الذي تتطلبه مواجهة التهديدات الخطيرة التي تتعلق بمصالحهم في الخليج و فلسطين و اماكن اخرى. كان من المؤسف ان يتوج البحث في ملف التهديدات الايرانية بالإشادة بالدور التي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية، و كأنهم يراهنون اساسا على ذلك الدور بردع ايران و الحفاظ على امن و مصالح العرب. يشير ذلك الى جهل النظام العربي، ازاء الاهداف الحقيقة الاستعمارية التي تسعى الولايات المتحدة بالتحالف مع اسرائيل لتحقيقها، و اهمها تفتيت الدولة القومية و ابتزاز اموال و ثروات العرب. اما في ما يتعلق بالقمة الاسلامية، فان قرارتها اتسمت بالروتينية، حيث كررت قراراتها السابقة، التي تنص على التمسك بمبادرة السلام العربية، و رؤية الدولتين، و رفض قرارات الولايات المتحدة بحق القدس و الحقوق الفلسطينية و رفض صفقة القرن. و كالعادة فان المحصلة، بان العرب و المسلمين يتحدثون كثيرا، ولا يقرنون ذلك بأفعال لدعم الشعب الفلسطيني و حماية حقوقه في مواجهة سفقة القرن. و على الرغم من ادراك الفلسطينيين لهذه الحقيقة الا انهم لا يملكون سوى الاشادة بقرارات نظرية تتمسك بالحقوق العربية و الفلسطينية ذلك انهم ليسوا في الوضع الذي يمكنهم من وضع العرب و المسلمين امام حقيقة عجزهم و تخاذلهم و تواطؤ بعضهم. هكذا مرة اخرى يتبدى ضعف الفلسطيني، الذي يتسبب به الانقسام الخطير الذي لم يجد بعد له حلا.