طلال عوكل - النجاح الإخباري - انتهت الانتخابات الإسرائيلية، إلى ما كان سينتهي إليه المشهد الذي أسس لمقدماتها، مع بعض التفاصيل، التي تعزز التحولات الجارية في المجتمع الإسرائيلي الاستيطاني. الليكود حصل على الأفضلية بمقعد واحد عن تحالف أزرق أبيض، ولكن بعدد كبير في المقاعد، التي تجعله الحزب السياسي التقليدي المهيمن على الحياة السياسية، باعتبار ان تحالف الجنيرالات، ينتمي إلى الظواهر التجميعية الطارئة، التي تفتقر إلى الإرث السياسي، وتفتقر إلى الإيديولوجيا، فضلا عن ضبابية البرنامج والأهداف.
قد يستمر تحالف أزرق أبيض خلال هذه الدورة للكنيست، وقد يستمر بحجم أقل لدورة أخرى لكنه إلى زوال. للمرة الخامسة يحظى نتنياهو، بالفوز برئاسة الحكومة، ليدخل إلى مرحلة تجعله الأطول مدة، في إدارة الحياة السياسية، متفوقا على بنغريون وعديد الساسة التاريخيين، وملك إسرائيل المتوج. في المشهد يحصل اليمين الإسرائيلي، المحسوب على خط نتنياهو على أكثر من 65 مقعدا، ولكن بقياسات اليمين واليسار، فإن اليمين يحصل على مئة مقعد، باعتبار ان تحالف الجنرالات ينتمي هو الآخر لليمين، وأن وصف نتنياهو له باليسار لم يكن إلا في باب التحريض بتهمة هو منها براء.
الأحزاب اليمينية الدينية، حققت هي الأخرى تقدما بمقعدين عما كان عليه حالها خلال فترة الكنيست العشرين السابقة. البعد المأساوي في هذه الانتخابات، يظهر في التراجع المهيمن لما يسمى باليسار، ونقصد حزب العمل وميرتس، اللذان لم يحصلا سوى على عشرة مقاعد، ويمتد هذا البعد المأساوي ليشمل القائمتين العربيتين، اللتان خسرتا ثلاث مقاعد، حيث حصلتا على عشرة مقاعد مقابل ثلاثة عشر في الكنيست العشرين، وكان السبب واضحا، يعود إلى الانقسام الذي وضع حدا للتجربة الوحدوية السابقة. هذا يعني أن اليمين المتطرف بألوانه المختلفة يجتاح المجتمع الإسرائيلي، بدون أي أمل قريب لعودة ما يسمى باليسار لمواقع التأثير في إدارة المجتمع والسياسة. من الواضح أن الدعم الكبير والمعلن الذي قدمته الولايات المتحدة لنتنياهو، قد كان أحد أبرز العوامل التي ساهمت في تحقيق الفوز، وكان ذلك مدعاة لإدخال الفرصة لدى الرئيس الأمريكي وأركان إدارته. الولايات المتحدة تدخلت علنيا في توجيه الانتخابات والتأثير على نتائجها، فيما ظل شعار الفلسطينيين يقوم على عدم التدخل او هكذا يبدو الأمر. في الحقيقة فإن ثمة تدخل فلسطيني بمعنى أو بآخر، كان يشير غلى اختلافات المراهنات والرغبات لدى طرفي الانقسام. كان من الواضح، أن بضعة صواريخ، تسقط على تل أبيب أو ضواحيها، كانت ستقلب المعادلة، هذا إذا كان ثمة من يريد تغيير المعادلة. الحال أن المتنافسين على الفوز في الانتخابات، لا يتركون مجالات للمقارنة، إذ أن كلا الطرفين، وحتى الأطراف الأخرى، موغلة في الدم والحقوق الفلسطينية، وليس لدى أي منها فرصة للمراهنة على سياسات وبرامج وأهداف مختلفة، إلا بالمعنى النسبي المحدود.
لا جديد يحتاج إلى القراءة والتحليل في السياسة الإسرائيلية المدعومة كليا من الإدارة الأمريكية، التي كان آخر ما صدر عن الرئيس ترامب، من تهديد المحكمة الجنائية الدولي، إن هي حاولت الاقتراب من أمريكا وإسرائيل. وفيما تتحرك عمليا وعلى الأرض الخطة المعروفة بصفقة القرن، نحو خلق المزيد من الوقائع المفروضة على الفلسطينيين والعرب، فإن هؤلاء، يتقاعسون عن القيام بما ينبغي وبمقدورهم القيام به من أجل إفشال تلك المخططات التي تهدد بتصفية الحقوق الفلسطينية. من المؤكد أن حراك صفقة القرن سيتسارع، فيما سيبقى الفلسطينيون أسرى الانتظار، والاكتفاء بإطلاق التصريحات النارية، غير قادرين على تجاوز مأساتهم التي صنعوها بأيديهم، أو كان لهم دور كبير في صناعتها. الادعاءات الفقرية لا تصنع الأحداث، ما لم تقترن بأعمال وممارسات فعالة، أهمها إنهاء هذا الانقسام الخطير، وإلا فلا منقذ يمكن انتظاره لا من المجتمع الدولي ولا الجماعة العربية، والتي أثبتت جميعها، أنها في أحسن الأحوال عاجزة أو متواطئة مع هذا الاجتياح الأمريكي الإسرائيلي على كل القيم والأطر والمؤسسات.