النجاح الإخباري - يوم الأرض في هذا العام، ينطوي على أبعاد مختلفة مما تعود عليه الفلسطينيون، الذين لم يتوقفوا عن إحياء تلك المناسبة الوطنية منذ عام 1976. لم يعد احياء هذه المناسبة، فقط من أجل التضامن، أو تأكيد تمسك الفلسطينيين بأرضهم وحقوقهم. منذ أوسلو تحولت هذه المناسبة إلى مناسبة تقليدية، يتم إحياؤها وطنيا، لكن رمزيتها اتخذت بعد آخر، انطلاقا من أن الفلسطينيين التزموا بقرارات الأمم المتحدة، وارتضوا أن يحصروا حقوقهم بالأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، على هذا الأساس صاغوا برامجهم وخاضوا نضالاتهم. وبالرغم من استمرار تمسك الرسمية الفلسطينية ومعظم الفصائل، ببرنامج الدولة وتقرير المصير، والعودة، انسجاما مع قرارات الأمم المتحدة، إلا ان إسرائيل، تدفع الصراع نحو تجاوز التطلعات الفلسطينية التي تختصر حقوقهم التاريخية ليكون الصراع مفتوحا، على كل الأرض وكل الحقوق الفلسطينية، بمعنى العودة إلى رمزية وأبعاد يوم الأرض عام 1976. هذه العودة للأصول والبدايات، تعني ان الشعب الفلسطيني موحد ميدانيا حول أهداف وأبعاد الصراع، ولا ينقصه سوى وحدة السياسة و وحدة الأداء الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في استراتيجيات العمل الوطني الفلسطيني، لتأكيد البعد التحرري الكفاحي لمواجهة المخططات الرامية لتجفيف ومصادرة كل الحقوق الفلسطينية صغيرها وكبيرها. على أن الرسالة المباشرة التي تحملها مسيرات العودة وكسر الحصار، التي انطلقت قبل عام، تذهب باتجاه هدف محدد، وذات طبيعة عملية ملموسة، بالرغم من ان كل التجمعات الفلسطينية تخرج لإحياء هذه المناسبة. عشرات آلاف الفلسطينيين خرجوا إلى أماكن المواجهة المعتادة منذ عام، نحو السياج الزائل شرق قطاع غزة، بأمل أن ينجحوا في اختبار مصداقية الالتزام من جانبهم بالتفاهمات التي تم التوصل إليها من خلال الوفد الأمني المصري مع الاحتلال.
في الواقع فإن مشاهدة التوتر، والتصعيد المحسوب، التي سبقت يوم الأرض قد وصلت إلى نقطة النهاية، حيث من المتوقع أن يحصد نتنياهو نتائج الاستعراض العسكري الضخم، الذي أنشأه في محيط قطاع غزة، وبالمقابل أن يحصد الفلسطينيون تفاهمات تؤدي إلى تخفيف الحصار المفروض على القطاع منذ اثنى عشر عاما. على أن السؤال هو هل تصمد هذه التفاهمات، وإلى متى طالما أن إسرائيل ستدخل بعد أيام قليلة مرحلة خوض الانتخابات؟. في الواقع لا يمكن الثقة بمصداقية الجانب الإسرائيلي الذي أثبت تاريخيا أنه لا يلتزم بأي قرارات أو اتفاقيات طالما هي لا تخدم مصالحه، وهو لم يلتزم خلال العام المنصرم، بتفاهمات سابقة قد توصل إليها الجانب المصري بالتعاون مع الأمم المتحدة. المشكلة أن الفلسطينيين أظهروا استعدادا جيدا للالتزام بما تم التوصل إليه، لكن أحد لا يمكنه ضمان التزام إسرائيل. ماذا لو أن نتنياهو أراد أن يتجاوز التوتر الحاصل مع قطاع غزة. بأمل أن يصل إلى يوم الانتخابات وهو قد خفف من الانتقادات وعمليات التحريض التي تستهدفه بدعوى أنه خضع لحسابات حركة حماس، وساهمت سياسته في تهشيم قدرة الردع الإسرائيلية، ثم تعود حليمة إلى عادتها القديمة ! . وإذا كان المشهد السياسي الذي سيتشكل في إسرائيل نتيجة الانتخابات، بما ينطوي عليه ذلك من احتمال التراجع عن تفاهمات التهدئة مقابل تخفيف الحصار، فإن كل شيء سيعود إلى ما كان عليه قبل التحرك المصري الأخير. لا توجد أي ضمانة، لنجاح التفاهمات خاصة وأن معظم بنودها تحتاج لتنفيذها أيام وأسابيع. في كل الحالات فإن التزام حماس والفصائل بالنتائج التي تم التوصل إليها، من شأنها كحد أدنى أن تعزز العلاقة مع الجانب المصري، وهو أمر مهم.
أخيرا فإنه على افتراض أن تنجح الأطراف في تنفيذ تلك التفاهمات، فإنها ستؤدي فقط إلى تخفيف بعض الأعباء عن الناس ولكنها لا تحل مشكلاتهم، ذلك ان معالجة هذه المشكلات سواء الانسانية أو السياسية الوطنية مرهون بإنهاء الانقسام الفلسطيني.