نابلس - طلال عوكل - النجاح الإخباري - وكأن بنيامين نتنياهو، كان ينتظر اللحظة التي يتوفر له فيها ذريعة قوية من أجل المبادرة إلى تصعيد محسوب مع قطاع غزة.
ثمة أطراف إقليمية عديدة، بما في ذلك إسرائيل، لها مصلحة في خلط الأوراق، وتغيير قواعد الاشتباك بين الفصائل في غزة، والاحتلال الإسرائيلي.
الكشف عن من يقف وراء إطلاق صاروخين من النوع الثقيل على محيط تل أبيب، أمر مرهون بالتحقيقات والملاحظة التي وعدت بها وزارة الداخلية التابعة لحركة حماس ولكن من غير المرجح أن يجري الإعلان عن نتائج تلك التحقيقات كما هو الحال بالنسبة لعديد الملفات الشائكة.
في كل الأحوال فإن الفصائل التي تملك هذا النوع من الصواريخ، ما كان لها، أن تستخدمها بالطريقة التي وقعت نظرا، لأنها تشتغل على ملف التهدئة وفي ظل وجود الوفد الأمني المصري في قطاع غزة.
الفصائل التي تملك هذا النوع من الصواريخ تبرأت من إطلاق الصاروخين، ونفت عبر بيانات رسمية المسؤولية عن إطلاقها، لكن إسرائيل التي تحتاج إلى مبرر من هذا المستوى، حملت المسؤولية لحركة حماس باعتبارها الجهة المسؤولة عن الأوضاع في القطاع.
وإطلاق الصاروخين أتاح لنتنياهو أن يرتدي الزي العسكري باعتباره وزير الدفاع، يؤك أنه رجل السياسة والاقتصاد، ورجل الأمن القادر على حماية الدولة والمستوطنين، لكن الحقيقة هو أنه كان يبحث عن شو "استعراض" يحاول من خلاله تحسين حظوظه في التنافس الانتخابي. قبل يوم واحد على التصعيد الأخير في تحقيق القطاع كانت استطلاعات الرأي تعطي لتحالف الجنرالات بقيادة بني بنس واحدا وثلاثين مقعدا، مقابل ثمانية وعشرين مقعدا لليكود.
في الحقيقة فإن نتنياهو استنفذ كل ما في جعبته من ادعاءات، و وسائل لتغيير المشهد، الذي يسيطر على اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي، بما في ذلك الدعم القوي والظاهر الذي يقدمه ترامب لصديقه رئيس الحكومة، لكن كل ذلك لم يغير من النتائج. وفي الواقع فإن نتنياهو قد بدأ منذ وقت بتصعيد العدوان على الفلسطينيين، من ما يجري في ساحات المسجد الأقصى وباب الرحمة، شاهد على ذلك.
ولكن لأن ذلك لم يسعفه في المزايدة على خصومه من اليمين، فإنه سعى إلى استثمار الدم الفلسطيني في غزة، على ان رئيس الحكومة الإسرائيلية، لا يدرك بأن لجوءه إلى التصعيد على حساب الدم والحقوق الفلسطينية محكوم لمعادلة هو من وضعها، وهي كما قال بعظمة لسانه، يتصرف بما لا يفسد على إسرائيل استراتيجيتها في بقاء الوضع الفلسطيني على حالة من الانقسام، لخدمة أهداف أساسية تتصل بالمخططات الإسرائيلية.
إذاك فقد كان من غير المتوقع أن يذهب نتنياهو في استغلال الدم والحقوق الفلسطينية إلى الحد الذي يؤدي إلى عدوان واسع وجذري ضد فصائل المقاومة، وأن كل ما يحتاجه لا يتجاوز حدود رسم مشهد أو شو، يقنع المحرضين على سياساته الرخوة اتجاه حركة حماس.
فصائل المقاومة بدورها تدرك قواعد وأبعاد أشكال آليات وأهداف الصراع مع الاحتلال، ولذلك، فقد أبدت استعدادا عمليا لتأكيد حرصها على عدم التصعيد، فاكتفت بردود محدودة ومفهومة على القصف الذي قام به الطيران الإسرائيلي ليلة الخميس على الجمعة، ثم أجلت لأول مرة، نشاط مسيرات العودة على الحدود بدعوى حقن الدم الفلسطيني.
هي ساعات فقط حتى انتهى رسم المشهد الذي أراده نتنياهو، قبل أن تظهر نتائج الجهد الذي قام به الوفد الأمني المصري، والذي نجح في إطفاء الحريق قبل انتشاره، لكن السؤال هو هل في ضوء هذه الحقائق، يمكن لحماس والفصائل أن تراهن على التوصل إلى تفاهمات تؤدي إلى هدوء مقابل تخفيف الحصار أم أن نتنياهو سينجح في إعادة الأمور إلى صيغة هدوء مقابل هدوء؟ لاشك أن الاسابيع القليلة القادمة، على يوم الانتخابات، ستقدم الجواب على ما إذا كانت مسيرات العودة قد فرضت على إسرائيل المبادرة إلى تخفيف الحصار، أم أن نتنياهو نجح في احتواء هذا النشاط، وأنه من يتحكم إلى حد كبير في صياغة المشهد الفلسطيني وتوظيفه لخدمة مخططاته وأهدافه.