طلال عوكل - النجاح الإخباري - لا يعقل أن يخرج الانقسام الفلسطيني وتداعياته، عن أبسط قواعد وأعراف العمل السياسي والاجتماعي إلى الحد الأدنى الذي يجعل البعض يستخف بالإنجازات التي يحققها الفلسطينيون، حين تكون من قبل هذا الطرف أو ذاك من الأطراف المتخاصمة. الأسبوع المنصرم، حققت فلسطين إنجازا تاريخيا على المستوى الدولي، حين تسلم الرئيس محمود عباس رئاسة مجموعة السبعة وسبعين زائد الصين التي تضم مئة وأربعة وثلاثين دولة في احتفال رسمي بحضور الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الجمعية العامة.

قد يقول قائل أن هذا الإنجاز مجرد إنجاز نظري يضاف إلى مئات القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة، ولم يتم تنفيذ أيا منها فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية. من حيث المبدأ صحيح أن الأمم المتحدة لم تتمكن ومن غير المتوقع أن تتمكن خلال فترة قريبة قادمة، من أن تفرض على إسرائيل تنفيذ ما تم أو بعض ما تم اتخاذه من قرارات، ولكن ذلك لا يعني بأي حال ان هذه القرارات والإنجازات لا قيمة لها.

من الناحية السياسية والمعنوية، يشكل هذا الإنجاز عملا قويا وواسعا من قبل ثلثي أعضاء الأمم المتحدة، الذين وضعوا ثقتهم بفلسطين لإدارة شئون هذه المجموعة الواسعة، في العديد من مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والصحية والاجتماعية والبيئية.

عمليا ينطوي ذلك على قناعة المجتمع الدولي بأحقية وقدرة فلسطين على ممارسة حقها في تقرير مصير شعبها بنفسها، طالما أنها تحوز على الثقة بإدارة هذه المجموعة الدولية. ثم ألا يشكل ذلك هزيمة أخرى قوية للتحالف الأمريكي الإسرائيلي، الذي يحاول جاهدا وبكل الوسائل لمحاصرة فلسطين وحقوقها وقضاياها العادلة على المستوى الدولي؟

لقد كانت من بواكير الغضب الأمريكي إعلان إدارة ترامب عن التوقف التام عن تقديم أية مساعدات للشعب الفلسطيني وليس للسلطة فقط مع نهاية هذا الشهر.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذا الإنجاز يشكل مقدمة لتحقيق إنجاز آخر كبير وتاريخي يتعلق بالاعتراف بدولة فلسطين عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة.

معلوم أن ثمة آليات لتحقيق هذا الإنجاز تبدأ من مجلس الأمن حيث يمكن للولايات المتحدة إفشاله من خلال استخدام الفيتو كما جرت العادة، ولكن سيكون بالإمكان لاحقا إنزال هزيمة أخرى قوية بالتحالف الأمريكي الإسرائيلي حين ينتقل الملف إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يمكن لفلسطين أن تحظى بتصويت تحت شعار متحدون من أجل السلام، لكن الأمر يحتاج إلى حراك سياسي ودبلوماسي واسع يسبق ذلك لضمان تحقيقالإنجاز.

صحيح أن إسرائيل لن تنهار او تتراجع عن مخططاتها التوسعية العنصرية. ومن غير المتوقع أن تتراجع الولايات المتحدة عن دعماه الكامل لإسرائيل، لكن معركة التحرير لا تتم هي الأخرى بالضربة القاضية، وإنما من خلال النقاط التي تراكم المزيد من الإنجازات التي ستؤدي إلى عزل السياستين الأمريكية والإسرائيلية اذاك فإن من غير المقبول أن يتعمد بعض الفلسطينيين شخصنة هذا الإنجاز، وتقزيمه طالما انه مرتبط بطرف فلسطيني هو حتى الآن يمثل الشرعية رغم كل محاولات النيل منها.

في هذا السياق لا يمكن قبول السلوك الشائن الذي دفع كتلة الإصلاح والتغيير، وعشرات المنظمات والمؤسسات التابعة لحماس، لأن تخاطب البرلمانات الخارجية، والأمم المتحدة، بمحاولة النيل من شرعية الرئيس محمود عباس.

وبالرغم من أن نتائج هذا السلوك المرفوض، تصل إلى الصفر، إلا أنه مخالف تماما لأصول ومبادئ إدارة الصراعات والتناقضات الخارجية وأبسطها المثل القائل "أنا وأخي على أبن عمي وأنا وأبن عمي على الغريب"، وأي حرص على القضية يسمح لبعض اهلها، العمل لإضعاف الجزء الآخر من أهلها؟