نابلس - النجاح الإخباري - إذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه، فإن الدعاء مع كل نهاية عام، بعام قادم أفضل، يكون مجرد تكرار عفوي في أحسن الأحوال لما تعودنا عليه. ولأن الدعاء في نهاية كل عام ميلادي، من نوع الاستهلاكات التقليدية التي تفتقر إلى التقييم العميق، ولأن العام القادم ليس هو المستقبل، وقد ينساه المرء عند الحديث العملي الموضوعي عن المستقبل، فإنني أفضل أن يكون الدعاء نسبيا بمعنى أن لا يكون العام القادم أكثر سوءا من الذي نودعه.
في حالتنا الفلسطينية لا تتصل المسألة فقط بالذات، فنحن جميعا جزء من شعب له قضية عادلة، وله حقوق تفيض حتى عما تقرره الشرعية الدولية ممثلة بالأمم المتحدة، فإن الأحوال الشخصية لا قيمة لها بالنظر للقيم الكلية، وبصفة الإنسان كائن اجتماعي هو محصلة بيئة عامة. بواكير العام الجديد لا تبشر بكثير من الخير وربما لا تبشر بقليله فإذا كان مطلعه حدث تاريخي يفترض أن يكون محل احتفال وطني اجتماعي، لأنه المناسبة السنوية التي أطلقت فيها حركة فتح، رصاصة إشعال الثورة الفلسطينية المعاصرة، إذا كان مطلعه اختلاف وصراع كما وقع فإن ذلك فأل سوء. إذا قلنا أن ثمة قضايا ومصالح ومحطات وطنية جامعة، فإن انطلاقة فتح والثورة، هي واحدة من هذه القضايا التي تسمو فوق كل المناسبات الخاصة والفصائلية باعتبار أن هذه المناسبة، هي مناسبة استرجاع وتشكل الهوية الوطنية، ومناسبة تدشين مرحلة الكفاح من أجل الخلاص من الاحتلال والتحرر الوطني.
كانت المناسبة هذا العام في غزة، قد فجرت غضبا عارما لدى الرئيس، ولدى قيادات حركة فتح، نجم عنها وبسبب طريقة التعامل مع ايقاد الشعلة، تراشق سياسي وإعلامي من العيارات الثقيلة.
أكثر من عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح أعلن الطلاق مع حركة حماس، واعتبر أن سلوكها يعني نهاية طريقة الحوار والبحث عن تحقيق المصالحة. لا حوار بعد اليوم بين الحركتين الكبيرتين، مما يعني أن يكف الوسطاء عن التحرك في هذا الملف، ويعني أيضا أن على الناس أن تتعايش مع واقع استمر اثنتي عشرة سنة، وسيستمر لسنوات قادمة مع مزيد من الصراع والمعاناة فوق ما يعانيه البشر.
الحركتان كل منهما يملك الإمكانيات والقدرة على إيذاء الآخر، وفي كل الأحوال المساس بحياة الناس، وذلك أنهما تمارسان السلطات كل في جغرافيا منفصلة عن الأخرى.
كان مقر تلفزيون وإذاعة فلسطين في منطقة تل الهوى بغزة أول الضحايا، إذ تعرض إلى عملية تدمير كلية على أيدي خمسة أشخاص لم يحتاجوا لأن يلسبوا أية أقنعة. الجريمة بحق هذه المؤسسة السيادية، وهذا المنبر الإعلامي الوطني غير الفصائلي، لا يمكن أن تكون فقط بأيدي عابثة، ذات أجندات ومصالح شخصية، وإنما هي جزء من تداعيات انهيار قيم الوطنية.
الفصائل كلها ومنظمات المجتمع المدني والصحافيون أدانوا تلك الجريمة النكراء وتنصلت من المسؤولية عنها وزارة الداخلية ومكتب الإعلام الحكومي في غزة، وكذلك، جماعة تيار محمد دحلان، لكن ذلك لا يمكن إحالتها إلى المجهول، وإلى أحقاد شخصية.
في هذه الحالة تصبح حكومة الأمر الواقع في غزة، هي المسؤولة عن إلقاء القبض على المجرمين بما أنها المسؤولة حصريا عن الأمن في القطاع. لاحظوا أننا لم نتحدث بعد ولن نتحدث في هذه العجالة عما ينتظر الشعب الفلسطيني وقضية من السياسات والعدوانات التي يحضر الاحتلال لارتكابها هذا العام، لتنفيذ مخططاته المدعومة كليا من الولايات المتحدة.
من المؤكد أن أحداث الأسبوع الأول من السنة الجديدة، ستجر المزيد من ردود الأفعال القوية كل ضد الطرف الآخر، فأي عام وأية بشائر ننتظر.