طلال عوكل - النجاح الإخباري - في ظرف عصيب بكل معنى الكلمة ينعقد المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله، محملا بأعباء واستحقاقات ضخمة وخطيرة، نظرا لإصرار التحالف الأمريكي الإسرائيلي على مواصلة مخططاته الاستعمارية، ومصادرة أبسط الحقوق الفلسطينية.
ثمة جملة من القرارات الهامة التي اتخذها المجلس الوطني، وتمت إحالتها إلى المجلس المركزي، وباتت تستحق التنفيذ بالرغم من التداعيات الخطيرة التي ينطوي عليها هذا الفعل. يحتاج تنفيذ هذه القرارات الواجبة، إلى اكتاف عريضة، وبنية قوية قادرة على تحمل الأعباء المترتبة عن ذلك. قبل أن ندخل في تقييم الأوضاع الفلسطينية، ومدى أهليتها، وقدرتها على مجابهة استحقاقات تنفيذ مثل هذه القرارات، يترتب علينا ان نذكر فقط بغياب الظهير العربي والإسلامي القومي، وأيضا غياب الظهير الدولي الفعلي. في الأوضاع العربية، لابد من ملاحظة تساقط مواقف العديد من الدول إزاء مسألة التطبيع والعلاقة مع إسرائيل كما لو أنهم ينتظرون فصل الخريف. لم تعد عديد الدول العربية تشعر بالحد الأدنى من الجرح إزاء استقبال مسؤولين أو رياضيين إسرائيليين، يرفعون العلم الإسرائيلي بمرافقة النشيد " الوطني" الإسرائيلي، الأمر الذي لم تعد معه تصريحات نتنياهو بهذا الخصوص مجرد ادعاءات فارغة، وقد يتضح بمرور المزيد من الوقت أن ثمة دول أخرى عربية وإسلامية، ستتجرأ على التعامل العلني مع دولة الاحتلال. إذا قارنا عدد الدول التي تتعامل سرا أو علنا مع إسرائيل بالدول التي ترفض التطبيع وباستثناء الدول المهمشة، فإن المقارنة لن تكون إيجابية. أما بقية الدول العربية والإسلامية فإن مواقفها لا تتجاوز حد إصدار البيانات والتصريحات، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ومنها من لا يستطيع الصمود أمام ضغط أمريكي فعال، الوضع الدولي عموما جيد من حيث التضامن مع القضية الفلسطينية، وذلك يعود إلى السياسة الإيجابية النشطة للقيادة الفلسطينية وأذرع العمل السياسي والدبلوماسي. يظهر ذلك بوضوح من خلال التصويتات التي تجري في الأمم المتحدة ومؤسساتها، وفي المواقف المعلنة لكثير من الدول، لكن كل ذلك، سيعطي مردوده الإيجابي لاحقا. أما الآن فإن هذا التأييد والتضامن غير قادر على أن يترجم ذاته من خلال توليد قوة مناسبة لإفشال المخططات الأمريكية الإسرائيلية بشأن القضية الفلسطينية. أما عن الوضع الداخلي، وهو تماما بيت الداء كالمعدة، فحدث ولا حرج. لا يبدو أن إقامة الوفد الأمني المصري كل هذا الوقت متنقلا بين رام الله وغزة وإسرائيل، يمكن أن ينهي مأساة الانقسام الفلسطيني، وأن المؤشرات الأولية تفيد بأنه قد ينجح في تحقيق تفاهمات من أجل التهدئة وفتح ملف غزة، ولو كان ذلك تحت عنوان إعادة التمسك والتأكيد على تفاهمات 2014، كمخرج قد يكون مقبولا لدى كل الفرقاء. عمليا يشير الميدان إلى أن ثمة تخفيض لوتائر الاشتباك، وأن هذا التوتر سينخفض تدريجيا مع كل خطوة تقوم بها إسرائيل للتخفيف عن قطاع غزة، ومع هذا التخفيف المتدرج للتوتر، تبدأ المؤسسات الدولية في الدخول إلى القطاع والبدء بعملها من أجل إعادة تأهيل قطاع غزة، الضعف الفلسطيني لا يتوقف عند هذا الحد، بل أن الخلافات بين فصائل المنظمة، ومقاطعة بعضها لاجتماعات المجلس المركزي هي مظهر آخر من مظاهر التفتت والضعف. إذا كانت المصالحة أقرب إلى المستحيل نظرا لصعوبة توفير إجابات مقنعة للطرفين بشأن القضايا الكثيرة العالقة، فإن غياب المبادرات العملية بخصوص معالجة الخلافات بين فصائل المنظمة، من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد الأمور، وتعميق حالة الضعف والتشرذم، وبصراحة وعلى أهمية وخطورة الأجندة المتعلقة بتنفيذ قرارات المجلس الوطني، فإن مهمة توحيد العمل الوطني الفلسطيني ينبغي أن تحظى بالأولوية المطلقة، حتى لو تطلب الأمر تأجيل استحقاق تنفيذ القرارات إلى أن يتم تقوية الجسد الفلسطيني بما يؤهله لتعظيم القدرة على المجابهة. الوفد الأمني المصري ما يزال موجودا، وهو مستعد لأن يبذل المزيد من الجهد والوقت لتقديم المساعدة، لكنه حين يضطر للمغادرة، فإن الفلسطينيين سيفقدون فرصة لابد أن يندموا عليها في قادم الأيام.