طلال عوكل - النجاح الإخباري - ليس الفلسطينيون وحدهم من يعاني من اضطرابات وخلافات وصراعات مريرة، ويواجهون مخاطر شديدة وغير مسبوقة على قضيتهم وحقوقهم. العالم كله يمر في حالة اضطراب شديد ومتغيرات عميقة، وصراعات من كل نوع. نحن الفلسطينيون جزء من هذا العالم المضطرب، ونحسب أننا جزء مهم، ذلك أن القضية الفلسطينية، هي القضية الوحيدة، التي تتخذ طابعا تحرريا من استعمار إحلالي، إجلائي، عنصري غير مسبوق. إن كان الأمر كذلك، فإننا كفلسطينيين لا يمكن أن نكون خارج دائرة التأثر والتأثير فيما يجري في محيطنا القريب، والمحيط الأوسع. مع ذلك لا يمكن الهروب إلى الأمام، أو أن ندفن رؤوسنا في التراب كالنعامة فنذهب إلى معالجة قضايا الآخرين حتى من أبناء جلدتنا العربية، بينما نحن بحاجة إلى معالجة قضايانا. قد قالها أحد كبار الفلاسفة الثوريين، بأن الإنسان المناضل لا يمكن ان يكون أمميا أو قوميا ما لم يكن وطنيا ناجحا. نحن ككتاب نفعل ذلك، بإرادة حرة، بعيدا عن ضغط الأحداث، نفعل ذلك ونحن نعلم يقينا، بأن ما نتناوله من عناوين فلسطينية في مقدمتها ملف المصالحة، لم يعد محل اهتمام الجمهور الفلسطيني، الذي فقد الثقة بقياداته ويعاني من إحباط وخيبات أمل، لما وصل إليه الحال. ويبدو أن المواطن الفلسطيني على وشك أن يفقد اهتمامه بالقضية الوطنية، وبالمخاطر الماثلة، والتي لم تعد تحتاج إلى مزيد من التوضيح والتحليل، بعد كل ما يصدر عن التحالف الأمريكي الإسرائيلي جهاراً نهاراً وعلى رؤوس الأشهاد دون خوف أو وجل.
بعد اثني عشر عاما على الانقسام وما جره ويجره من مخاطر وآلام على الشعب الفلسطيني وقضيته وقواه الحية بكل تياراتها ومنابعها، تعود المحاولات التي تكاد تحتكرها مصر، إلى نقطة الصفر. لا ضرورة للحديث عن اتفاقات تم توقيعها بين حركتي حماس وفتح فلقد دخلت الأمور مربع أسود أم أبيض، خصوصا وأن الحوار المباشر مفقود ومفقود الحوار الوطني الشامل، وحسابات الطرفين أضحت على خط متواز. في سابق السنين كانت شروط المصالحة، محدودة، والثمن لتحقيقها يفترض أنه كان مقدور عليه، لكن الأمور اليوم أكثر تعقيدا، وإمكانية تحقيق تقاطع معقول في شروط الطرفين أصبحت أقرب إلى المستحيل. ومع أنني لا أرى أن ثمة نهاية للمحاولات، التي تصر القاهرة على متابعتها إلا أن آخر تلك المحاولات، بعد زيارة وفد فتح للقاهرة، توحي بأن الأمور وصلت إلى طق مسدود. ينطوي هذا الاستعصاء على قراءات خاطئة، حتى فيما يتعلق بحظوظ كل طرف في البقاء واستحواذ بعض أوراق القوة، فالمخطط الأمريكي الإسرائيلي سيأتي يوميا على كل أوراق القوة، التي يدعيها هذا الطرف أو ذاك، إن بقي الحال على حاله. اللغة المستخدمة في الحوار والتعبير عن المواقف الخلافية، تضرب مثلا سيئا وهابطا في أداب الحوار داخل الصف الوطني، إذ سرعان ما أن تندلع اشتباكات إعلامية، لا يمكن استخدامها إلا بين أطراف متعادية، وتعبر عن أزمة ثقة عميقة لا يمكن تجاوزها بسهولة حتى لو اتفقت الأطراف يوما على إنهاء الانقسام. قد يذهب وفد من حماس إلى القاهرة أو يأتي وفد أمني مصري إلى غزة، فهل ستوافق حماس على ما طرحه الوفد الفتحاوي، أم أنها ستواصل العمل على إنضاج ملف التهدئة حتى لو لم تنجح المصالحة. قد يحصل هذا، وحينها ستمتلئ وسائل الإعلام بأحاديث النصر، بكسر الحصار رغم أننا جميعا نعلم علم اليقين، أن إسرائيل هي من يعطي هذه الفرصة لدوافع تتعلق بمخططاتها المعروفة تماما كما حصل ويحصل بالنسبة لقطاع غزة، الذي يدعي البعض أنه تحرر بفعل ضربات المقاومة، متجاهلا عوامل أخرى عديدة ومهمة. ولكن انتظرونا حين تتم التهدئة ويعلن البعض أنه انتصر في معركة كسر الحصار، وسنرى إن كانت غزة ستكون أفضل أم أن المعاناة ستزداد. وسننظر مرة أخرى لنرى حجم، ونوع الانتصار، وأية مكاسب ستتحقق لسكان القطاع، وما إذا كان هذا الانتصار هدية أم أنه مكسب تم انتزاعه رغم أنف القوى المعادية. وسننتظر حتى يقتنع المتمسكون بأجنداتهم وحساباتهم الفئوية، بأن أفضل الانتصارات وأكثرها رسوخا ووطنية هي التي تنتج عن حوار داخلي وطني، تمنحه كل الأطراف كل ما يلزم من تنازلات، من أجل تحقيق النجاح ولكن ليس قبل أن يدرك الجميع الثمن الذي يدفعه الشعب الفلسطيني وقواه الحية بسبب كل هذا التأخير.