طلال عوكل - النجاح الإخباري - غادر ماتياس شمالي، الذي يوصف على أنه الموظف في مقر الأونروا بغزة، الذي يشكل عنوان المؤامرة لتنفيذ سياسة تقليص الخدمات وتقليص الموظفين، لكن الأزمة ما تزال تشي بأن المسألة أخطر وأكبر بكثير من الإجراءات التي يحتج موظفي الوكالة عليها.
شمالي كان قد خدم في مقر الأونروا في لبنان، وكان عنوان أزمة فتم طرده من هناك ثم انتقل ومعه المؤامرة إلى سوريا، ثم طرد من هناك بعد وقت قصير، وها هو يغادر قطاع غزة لكنه مجرد ترس صغير في آلة كبيرة.
موظفو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في قطاع غزة، قدموا العديد من الاقتراحات، بما في ذلك خصم يوم عمل، للمساعدة في وقف اجراءات فصل مئات الموظفين لكن رئاسة الوكالة ترفض رفضا باتا كل تلك الاقتراحات.
إذا القضية ليست مالية على الإطلاق ولا تتصل بالعجز المالي الذي تعاني منه الوكالة منذ سنوات، وهو هذا العام حوالي مئتي وسبعة عشر مليون دولار، فالقضية سياسية بامتياز.
قضية فصل مئات الموظفين مجرد عنوان صغير على أهميته لقضية كبيرة وخطيرة، أصلها وجود الوكالة بحد ذاته، والرمزية التي تمثلها بالنسبة لحق العودة الذي أقرته الأمم المتحدة، وكان شرطا للاعتراف بإسرائيل.
على من لا يزال يعتقد أن غزة هي العنوان الأول لصفقة القرن، التي لا حاجة لإعلانها، أن يصححوا آراؤهم فلقد كانت القدس هي العنوان الأول لصفقة القرن، والأونروا وقضية اللاجئين هي العنوان الثاني، أما غزة فتأتي ثالثا ضمن أولويات صفقة القرن.
تركز الولايات المتحدة وإسرائيل جهودهما نحو تجفيف إمكانيات الأونروا لتجفيف حق الفلسطينيين في العودة، وإحالة ملف اللاجئين الفلسطينيين إلى المفوضية العليا للاجئين بما يحيلهم إلى قضية إنسانية لا أبعاد سياسية لها.
في ضوء عجز المجتمع الدولي عن مواجهة السياسة الأمريكية بشأن هذا الملف، وحفاظا على دور وهيبة الأمم المتحدة، فإن الأمر برمته يعود إلى السياسة التي يقررها الفلسطينيون، إذ من غير الممكن أن يتحمل العرب وهم قادرون على ذلك، مسؤولية تغطية ميزانية الأونروا لأنها في هذه الحالة ستتحول إلى مؤسسة عربية.
ميزانية الأونروا لعام 2018، تبلغ ثمانمائة وأربعون مليون دولار، يستطيع العرب تحمل تغطية نفقاتها لكن المسألة لا تتوقف هنا عند توفير الأموال، طالما أن الولايات المتحدة ماضية في مخططاتها لإنهاء حق العودة. هذا لا يعني أن يتوقف الموظفون في الأونروا عن الاحتجاج والتظاهر والاعتصام والمتابعة القانونية، لكن المسألة تتعدى ذلك إلى ضرورة خوض هذه المعركة بأشكال سلمية وسياسية، والابتعاد كليا عن منطق الانتقام والضعف فمن يدير مقرات الوكالة من الأجانب ليسوا سوى أدوات صغيرة أما المسؤول الأساسي فهو التحالف الأمريكي الإسرائيلي. المؤامرة على الوكالة وجودا وحقوقا إنسانية وسياسية ليست جديدة، وقد اتخذت طابعا متدحرجا باعتماد نهج تقليص الخدمات والتوظيف عاما بعد آخر، لكن الحرب على الأونروا بلغت ذروتها في هذه الفترة.
وإذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل هما رأس المؤامرة على الأمم المتحدة وقراراتها، بما في ذلك على الأونروا وحق الفلسطينيين الثابت في العودة والتعويض، فلابد من رؤية دور بقية الأطراف الفاعلة دوليا والتي تقف متواطئة مع رأس المؤامرة رغم قدرتها الأكيدة على تعويض المساهمة المالية التي توقفت عن تقديمها الولايات المتحدة.
في هذه الأيام يتزامن انفجار أزمة الأونروا مع المخططات الإسرائيلية بحق الخان الأحمر وبحق المسجد الأقصى الذي يتعرض يوميا لاقتحامات متلاحقة بمشاركة وتغطية وحماية رسمية من قبل حكومة اليمين المتطرف. المعركتان محتدمتان، وكذلك يحتدم ملف غزة باعتباره المفصل الثالث في صفقة القرن، وتبذل إسرائيل قصارى جهدها لإقفال هذه الملفات انطلاقا من مصالحها، وخلال أقصر زمن ممكن، لذلك يتوجب على الفلسطينيون أن لا يستنزفوا المزيد من الوقت والجهد قبل أن يلملموا صفوفهم، وأن يستجمعوا كل قوتهم لخوض هذه التحديات التاريخية الخطيرة.