د. مؤيد كمال الحطاب - النجاح الإخباري - تاتي الدعوة لانعقاد المجلس الوطني بعد غياب طويل، حيث كان اخر جلسة عادية للمؤتمر عام 1996 في غزة، ولكنه ياتي هذا المرة مختلفا لما تمر به القضية الفلسطينة من منعطفات هي الاخطر في تاريخها. فالمفاوضات التي مر عليها الان اكثر من 25 سنة لم تاتي باي تقدم، مما يتتطلب اعادة تقييم ومراجعة كافة الخيارات الممكنة، وهناك ايضا الانقسام الفلسطيني الذي مازال مستمرا بين شطري الوطن ولا يوجد ما يدل على اقتراب حقيقي لحل هذا الملف. اضف ان الرئيس ابو مازن، كما كشف سابقا، يعلم انه يتعرض لاستهداف شخصي بقدر ما تتعرض له القضية الفلسطينة من تحديات، مما يوجب ترتيب البيت الداخلي تحسبا لاي طارئ. هذا بالاضافة الى الحاجة الفعلية لتجديد شرعية المجلس الوطني واعضاء اللجنة التنفيذية، وسد الفراغ للاعضاء الغائبين، وانتخاب قيادة جديدة.
والملاحظ ان الدعوة للانعقاد جاء بعد خطاب الرئيس الاخير في الامم المتحدة وما تبعه من تداعيات. فرغم ان خطاب ابو مازن في الامم المتحدة كان في مضمونه متسق مع القوانين الدولية والاعراف الدبلوماسية، الا انه كان لافتا للانتباه انسحابه بعد نهاية خطابه مباشرة من مجلس الامن، معلنا بذلك موقفه الشخصي والرسمي من رفض سماع مزيدا من المهاترات "الإسرا-ميركية" عبر متحدثيها في الامم المتحده، والذي كان معدا ليكون بعد خطاب ابو مازن. بل إن خروج ابو مازن ووفده المرافق كان بمثابة تصريح عملي ان فلسطين هي وحدها من تستطيع ان تقول "لا" للسياسة الامريكية بإدراتها العنصرية الجديدة.
بالطبع قابلت الإدارة الامريكية خطة الرئيس ابو مازن للسلام، والتي شرح بنودها امام مجلس الامن، ومن ثم انسحابه من المجلس، بقرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة منتصف أيار القادم، متخلية بذلك عن اعلانات رسمية سابقه بان نقل السفارة لن يتم خلال هذا العام.
القرار الاخير المفاجئ والسريع بنقل السفارة خلال هذا العام لم ياتي فقط كتحدي للموقف الفلسطيني الثابت على رفض اي مساس بالهوية المقدسية والحق التاريخي للفلسطينيين فيها، بل جاء ايضا كرد سريع على تحدي الموقف الفلسطيني لصفقة ترامب المزعومة، ولإعطاء غطاء جديد على شرعنة الاحتلال خصوصا انها تاتي مع موعد ذكرى النكبة الفلسطينة والاعلان عن ولادة دولة الكيان الصهيوني. كما انها تاتي بعد ان اختبرت الولايات المتحدة موقف الدولة العربية من اعلان ترامب السابق بان القدس عاصمة الكيان المحتل، وإرتياح الادارة الامريكية لانعدام اي حراك عربي حقيقي ضد قراره.
هذا التحدي الصارخ للحق الفلسطيني، والقانون الدولي، يضع الفلسطينيين مرة اخرى "وحدهم" امام تحديات خطيرة، وتجعل من الدعوة الى انعقاد المجلس الوطني، في شهر نسيان القادم، ضرورة ملحة. ولكن ما هي الملفات الملحة التي سيتم او يجب منقاشتها خلال هذا الاجتماع.
تجديد المجلس الوطني.
من المهم تجديد الشرعية للمجلس الوطني الفلسطيني حيث انه لم ينعقد منذ 20 عاما، وهناك من اعضائه من توفي او بلغا من العمر ما لايمكّنه من الاستمرار في التعامل مع ملفات القضية الساخنة وخطورة المرحلة. ولابد من ضخ روح جديدة من الشباب، والدعوة لتمثيل حقيقي للجان والاتحادات الشعبية والفصائلية..الخ، وان يتم دعوة جميع اعضاء المجلس التشريعي باعتبارهم اعضاء في المجلس الوطني. فدعوة اعضاء المجلس التشريعي، يعطي لقرارات المجلس الوطني، بالاضفة لصفتة القانونية والدستورية، الالزامية الوطنية والسياسية كونها انبثقت عن مجلس وطني شارك فيه جميع الجهات التشريعية والسياسية للدولة الفلسطينة التاريخية. كما ان دعوة المجلس التشريعي تضع كرة المصلحة الوطنية في ملعب الفصائل والاحزاب غير المنتميه للمنظمة، والتي سبق لها التتنصل من حضور اجتماعات وطنية هامة رغم دعوتها رسميا للمشاركة.
الرئيس الفلسطيني القادم
في ظل الانقسام بين الضفة وغزة، والتعنت الفصائلي في ملف المصالحة على حساب المصلحة الوطنية، فان من الصعوبة بمكان ان يتم عقد انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة، مما يطرح السؤال الملح حول من سيخلف الرئيس في حال شغور المنصب، خصوصا ان هناك مشكلة دستورية ستواجه المصلحة الوطنية في حال شغور منصب الرئيس. فرغم ان القانون الاساسي قد نص صراحة على ان رئيس المجلس التشريع تحول اليه مهمة القيام باعمال الرئيس لمدة 60 يوما يتم خلالها انتخاب رئيس جديد، إلا ان المجلس التشريعي الحالي لم يقم بانتخاب رئيسا للمجلس اتشريعي، سوى لمرة واحدة في دورته العادية الاولى، والقانون اعتبر ان مهمة رئيس المجلسة تنتهي بانتهاء الدورة الاولى والتي انتهت فعليا منذ اكثر من 10 سنوات، كما ان المجلس التشريعي بجميع اعضائه قد انتهت ولايته فعليا منذ حوالي 8 سنوات.
وحتى وان تجاوزنا تلك المعضلة الدستورية، فان اماكنية انعقاد المجس التشريعي في وقت قريب وفي ظل استمرار الانقاسم تعد امكانية مستحيلة، مما يجعل المجلس الوطني، كونه يمثل السلطة العليا للشعب الفلسطيني، الامل الوحيد في حل هذه الازمة. فقرارات المجلس الوطني تعتبر قرارات نافذه ولازمة للشعب الفلسطيني باختلاف اماكن تواجده، وللسلطة الفلسطينة على السواء، وهذا ما نص عليه صراحة كلا من القاتون الاساسي والنظام الاساسي لمنظمة التحرير، وقرارتها. اضف ان تفعيل صفة رئيس الدولة الفلسطينية، بديلا عن رئيس السلطة التي وردت في القانون الاساسي، سيسمح بادخال تعديلات قانوينة تتوافق مع هذه الصفة الجامعة، خصوصا اذا تم الموافقة على تلك القرارت باغلبية ثلثي الاعضاء.
ولحل ازمة شغور منصب الرئيس، فاننا نقف امام احد الاقترحات او التوقعات التالية: الاول؛ ان يقرر المجلس الوطني انتخاب نائب للرئيس تحول مهام الرئيس اليه، حتى يتم انتخاب رئيس جديد. والثاني؛ ان يتم تحويل مهام الرئاسة الى الحكومة الفلسطينة، او توسيع صلاحياتها الى حين اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرة وشاملة. والثالث؛ ان يتم التوافق على تعديل النص في القانون الاساسي بحيث تستبدل عبارة "رئيس المجلس التشريعي.." في الفقرة الثانية من المادة 37 الى "رئيس المجلس الوطني". أما الاحتمال الاخير، وربما الاقل توقعا، فهو ان يتنازل الرئيس ابو مازن عن منصبه وبالتالي يقوم المجلس الوطني بانتخاب رئيس مؤقت للدولة الفلسطينية الى حين انهاء الانقسام واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية شامله.
في جميع الاحوال، فان الاتفاق على اي مما سبق هو ضرورة ملحة لتجنيب القضية الفلسطينة عموما، والفلسطينين في الضفة وغزة تحديدا، اي انزلاقات لا يمكن حصر مخاطرها.
مستقبل الصراع
لابد من دراسة ملف الاتفاقيات السابقة وخصوصا اتفاقية اوسلو مع الاحتلال، وخيارات المقاومة الشعبية بكافة اشكالها السلمية لمواجهة تعنت الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحده في اعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه القانونية والانسانية المشروعة في اقامة دولته المستقلة. فمن الضروري وضع جدول زمني، مثلا سنتين، تكون منظمة التحرير بعدها معفية من اي التزام سابق مع دولة الاحتلال، كون الاحتلال قد اخل بالتزماته الواردة في تلك الاتفاقيات. ولابد أن يتم وضع استراجية خروج، خلال تلك المدة، بشكل آمن ومؤثر بحيث نتمكن في نهاية المطاف من الانسحاب الكلي من جميع الالتزمات السياسية، والامنية، والاقتصادية المترتبة على تلك الاتفاقيات. وهذا يعني تفعيل حقيقي لبناء مؤسسات وطنية واقتصادية مستقلة وقادرة على ادارة الازمات، حين اعلان قرار الانسحاب، وتفعيل جميع وسائل الضغط السلمية سواء على المستوى الشعبي، او الدبلوماسي، او عبر القنوات العربية والدولية الحكومية والشعبة على السواء. كما انه يضع مسؤولية تنفيذ تلك الخطة على الحكومة الفلسطينة اولا، وتعاون الاحزاب السياسية ثانيا، والالتفاف الشعبي والوطني حولها ثالثا ورابعا.
ولابد للمجلس الوطني من العمل على وضع آليات فاعلة لدفع عجلة المصالحة، بل وفرضها بكل السبل، لكونها مطلبا وطنيا اساسيا، ولانها الطريق الوحيد للتصدي لكل ما تواجه القضية من منعطفات، ولان اي خطة استراجية وطنية لانهاء الاحتلال لا يمكن تفعيلها دون التفاف وطني شامل وحقيقي.
كما انه من الضروري ان يتم تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني بشكل جدي وملومس، وتفعيل دورها السياسية والنضالي السابق. كما ينبغي على حركتي حماس والجهاد ان تنظم لمنظمة التحرير دون شروط مسبقه، على اعتبار ان ذلك مصلحة وواجب وطني، وليس على اسس واعتبارات تقسيم لحصص، او توزيع مكاسب.
ان جميع ما سبق يعني حتما ضرورة استمر السعي الحثيث في توحيد الشعب، وانهاء الانقسام، ورفع راية الوطن فوق جميع المصالح الحزبية او الشخصية، وإلا نكون كمن أنهى حياته بيده.
* كاتب وباحث فلسطيني، محاضر في كلية القانون