بشار دراغمة - النجاح الإخباري - صورة على بحر غزة لرئيس الوزراء الدكتور رامي الحمدالله وعدد من المسؤولين، اقتنصها البعض كمشهد جمالي، ورآى فيها بعض آخر صورة الاطمئنان على حال المصالحة التي طالها الكثير من التشكيك قبل وصول الحكومة إلى غزة.
الصورة ذاتها تفتح الشهية للكثير من الحديث رغم صمت كل من فيها في تلك اللحظات، من تجمعوا داخل الإطار أيقنوا أنَّ حلمًا تحقَّق بطيّ صفحة انقسام أهلكت الفلسطيني في غزة، وارتدَّت تبعاتها لتمنح الاحتلال فرصة ذهبية اقتنصها على أكمل وجه، فصادر الأرض ومدَّ أخطبوطه الاستيطاني وقتل وهدم وشرَّد، ونحن منشغلون في ذاتنا وانقساماتنا، ولم نتقن أكثر من فن جلد الذات.
في الصورة وكأن الكل يقول الآن نتنفس الصعداء، ومن نسيم البحر نشحن طاقة إيجابية لعمل شاق قادم سيبدأ فور مغادرة البحر مباشرة، فالمكان ليس أكثر من محطة لارتشاف جرعة كافية من التفاؤل وإنجاز ما هو قادم.
صورة رئيس الوزراء والمسؤولين على البحر، منحتنا شعورًا بالطمأنينة أنَّ المصالحة هذه المرة جادَّة، وأنَّ الأمور مغايرة عمّا كان يحدث سابقًا.
بعد العودة من جولة البحر، كان رئيس الحكومة والوزراء يقومون بعملهم بشكل مذهل بامتدادات أفقية، اجتماعات متتالية مع كل الفئات والشرائح، وكلّ ما كان يحدث على الأرض يبعث فينا المزيد من الأمل بأنَّ الأمور ستكون مبشّرة رغم صعوبة الظروف التي ستعمل فيها الحكومة.
على أرض غزّة واقع مأساوي، خلفته حروب عدّة، وسنوات طوال من الحصار، والملفات التي تحتاج إلى حلحلة لا تقل صعوبة عن دول كاملة أهلكتها الحروب، والفقر، والمجاعات، ولا زالت تحاول النهوض منذ سنوات رغم الدعم الدولي لها دون جدوى، والناظر في المحيط الفلسطيني يلحظ تجاربَ كثيرة، لكن الطاقة الفلسطينية الاستثنائية قادرة على تحقيق المستحيل إذا ما سارت الأمور على أسسها السليمة وتعاونت الفصائل الفلسطينية المختلفة في تهيئة المناخ المناسب لإنجاز كلّ خطوات المصالحة والضرب بيد من حديد كلّ من يحاول عرقلة طريقها.
الطريقة التي عمل فيها رئيس الوزراء في غزة على مدار الأيام الثلاثة الماضية، تمنحنا الارتياح وتؤكّد أنَّ الحكومة تدرك ما تريد فعله وكل ما تحتاجه هو ضمان عدم العبث بالاستقرار، وحتى على مستوى ترتيب اللقاءات والاجتماعات كنّا ندرك مباشرة ما هي الأولويات التي تسعى الحكومة إلى إنجازها، فكانت لقاءات سياسية بداية تلتها اجتماعات مع القطاع الخاص ومن ثمَّ الشباب، وغيرها من الأنشطة التي طالت الشرائح كافة في قطاع غزة، وكذلك تصريحات المسؤولين والوزراء التي كانت كلّها تصب في اتجاه الاستثمار في العنصر البشري وتخليص غزّة من الفقر، وتحقيق الاستثمار الاقتصادي من خلال خطط طموحة وعلى رأسها مبادرة "طريق الحرير" والتي إن كتب لها النجاح ستنقل غزَّة إلى واقع اقتصادي ربما "تُحسد عليه".
ومن دواعي الارتياح أيضًا تجربة الحكومة فيما يتعلق بملف الإعمار في غزة والذي عملت فيه "عن بعد" تقريبًا، لكنَّها أنجزت الجزء الأكبر منه في ظروف بالغة التعقيد والصعوبة وعدم التزام من المانحين، لكن في النهاية تحقَّق الكثير في هذا الملف، فالأمور ستكون مختلفة تمامًا في الملفات كافة، عندما تكون الحكومة في غزَّة وتعمل من وزاراتها.
رئيس الوزراء أعلن بشكل صريح أنَّه ليس هناك ملف لا يمكن حلّه بوجود الإرادة لتحقيق المصالحة سواء من الملفات المؤقتة مثل الكهرباء والموظفين وغيرها، أو ملفات التطوير المستقبلية، وهو بذلك يضع الكرة في ملعب حماس وفتح وكل القوى والفصائل، وكأنَّه يقول للجميع: "اضمنوا المصالحة.. وانتظروا غزَّة جديدة".
المديح لن يجدي نفعًا هنا، لكن إرسال برقيات الطمأنينة هو أمر واجب، فالواقع سيكون أفضل بكثير إذا ما تمَّت تهيئة الظروف لذلك، الأمر يتطلب وقتًا، والناس في غزة متعطشة للواقع الجديد، فصور الاستقبال الشعبي غير المسبوق للحكومة تحمل الجميع مسؤولية كبيرة وتبعث رسائل حول ما يحتاجه القطاع من تغيير، وذلك الشاب الذي ظهر في مقطع فيديو متحدثًا بانفعال كبير عن واقع الشباب في غزّة واعتبر رئيس الوزراء المنقذ والحضن الدافئ لفئة الشباب يعكس بكلامه حال الكثيرين ممن ينتظرون الواقع الأفضل.