بشار دراغمة - النجاح الإخباري -
للعدس والبصل حكاية فقر، متلازمان دوماً، هما هكذا، لا يُذكران إلا ومعهما قصص من الصبر على الجوع، يتلقف الناس الكلمتين للتعبير عن ضيق الحال، حتى الأدباء وظفوا العدس والبصل في رواياتهم لذات الغاية،  فالروائي بهوش ياسين عنون روايته بإسم "أيام من عدس"، ليقص علينا حكاية شخصيات تعيش البؤس والهشاشة اليومية، فيما يروي المؤرخون القدامى بأن طعام الفلاحين الفقراء في مصر الفرعونية قبل 5000 سنة كان هو "العدس والبصل"
اليوم أطلق رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمدالله أجندة السياسات الوطنية للأعوام 2017-2022، تحدث عن الأجندة في مؤتمر صحفي، وأكد وأعاد التأكيد على أن الخطة تضع "المواطن أولا" بالتركيز على تحقيق الاستقلال الاقتصادي من خلال حماية الفقراء والمهمشين والحد من الفقر وبناء مقومات الاقتصاد، رغم ما في الخطة من بنود طموحة تثلج صدر كل فلسطيني، إلا أن الدكتور رامي الحمدالله وعلى غير العادة خرج في كلمته عن النص المكتوب، وراح يتحدث بدون تجميل عن الظروف التي تعمل بها الحكومة، واصفا إياها بـ"الاستثنائية والصعبة، مشيرا إلى انخفاض المساعدات الخارجية بنسبة 70٪، وبوجود ممثلين للبنك الدولي والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، عاتب الحمدالله كل هذه المؤسسات لعجزها عن انهاء الاحتلال وحتى عدم جرأتها على الاستثمار في المناطق المصنفة "ج"، مطالبا إياها بالعمل على إنهاء الاحتلال ورافضا مقايضة البرنامج السياسي بالمال وقال "لن نقايض البرنامج السياسي بأي أموال وسنعيش على العدس والبصل".
إطلاق خطة طموحة بهذا الحجم في ظل كل هذا التقليص للمساعدات الدولية وحتى العربية، وعدم تعثر الحكومة في دفع رواتب الموظفين والالتزامات المالية، والتخلص من جزء كبير من الديون المترتبة للقطاع الخاص، كل هذا يعني أن الحكومة أدارت الملف المالي بقدرات هائلة، ورغم ذلك يتحدث الحمدالله عن إمكانية أكل العدس والبصل، ليطرح هذا التصريح تساؤلا عن طبيعة المرحلة المقبلة، فهل ستنخفض المساعدات الدولية بنسبة أكبر من 70%؟.
رئيس الوزراء لم يخرج عن النص المكتوب ويتحدث بهذه الكلمات إلا لأنه يرى مرحلة قادمة أكثر صعوبة، وما ترسمه التحركات السياسية في المنطقة والحديث عن مؤتمرات وقمم تُعقد سرا في المحيط مؤشر على صعوبة ما هو قادم ليضاف إليها تغيرات على مستوى قيادة العالم وتقارب للأقطاب المتناقضة، مع انحياز مطلق للاحتلال بل وأيضا تشجيع كامل على استباحة كل ما هو فلسطيني، فالاستيطان يتوسع بشكل جنوني، والإسرائيليون يتحدثون أن حل الدولتين بات من الماضي، كما أن تل أبيب تعيش حالة من النشوة بعد لقاء بنيامين نتانياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذاً القادم لن يكون سهلاً بالمطلق، وحديث رئيس الوزراء لا يحمل من التهويل شيئا، وما في جعبته من معلومات تضاف لما سبق يجعله يقول سنأكل "العدس والبصل".