وكالات - النجاح الإخباري - هل يمكن للكائنات عندما تفقد هياكل معقدة في أجسامها أو يتوقف عمل تلك الهياكل أن تستعيدها مرة أخرى، وهل تظل الجينات المسؤولة عن عمل تلك الهياكل فعالة بعد حقب طويلة من التوقف؟ أسئلة حاولت دراسة علمية حديثة الإجابة عنها.
ففي ورقة بحثية نشرت في مجلة "بروسيدينغز أوف ذا رويال سوسيتي بي" (Proceedings of the Royal Society B) في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، قام فريق من الباحثين بتطوير نظرية لشرح سبب فقدان سحالي السقنقور (skinks) التي تعيش في الفلبين أطرافها، ليصبح شكلها مثل الأفاعي.
ووفقا لتقرير منشور عن الدراسة على موقع "فيز" (Phys.org)، فإن تلك السحالي استعادت تلك الأرجل مرة أخرى في الأجيال اللاحقة، حيث أرجع ذلك إلى طبيعة المناخ والبيئة التي تعيش فيها، واقترح الباحثون أن الساقين تظهران خلال الظروف البيئية الرطبة ثم تختفيان خلال فترات الجفاف الطويلة.
أسباب غامضة
وكانت الأبحاث السابقة قد أشارت إلى أن بعض سحالي السقنقور الأصلية في الفلبين قد فقدت أرجلها منذ دهور عديدة، ولأسباب غير معروفة عادت أرجلها ثانية. وفي مناطق أخرى مجاورة، فقدت سحالي سقنقور أخرى أرجلها لكنها لم تستعد القدرة على نموها، وقد سعى الباحثون في هذه الدراسة إلى فهم سبب حدوث ذلك مع مجموعة دون الأخرى.
ومما حيَّر العلماء في هذا الأمر، أن إحدى قواعد علم الأحياء تتمثل في أنه عندما يفقد كائن ما هيكلا معقدا مثل ساقيه على مدار دهور عديدة، فمن غير المرجح أن يتغير ذلك في أحفاده لاحقا.
إلا أن سحالي براشيميليس (Brachymeles lizards) المعروفة أكثر باسم "السقنقور" (skinks)، تمثل استثناء غير مفهوما، فقد فقدت أرجلها ثم أعادت نموها مرة أخرى بعد سنوات عدة.
وفي هذا الجهد البحثي الجديد، وجد الباحثون من عدة جامعات ومؤسسات بحثية أميركية سببا محتملا لاستثناء القاعدة، فقد اكتشفوا أن السقنقور التي ليس لها أرجل كانت أكثر قدرة على التحرك في الظروف الجافة، أما ذات الأرجل فكانت لديها قدرة أكبر على التحرك في ظل ظروف أكثر رطوبة، حيث سهلت لها أرجلها التنقل فوق التربة الرطبة.
التجربة البحثية
ولمعرفة كيف تتحرك السقنقور في هذه الموائل بالفعل، جمع الفريق البحثي 147 فردا من 13 نوعا مختلفا من السقنقور، بعضها لم تكن لديه أطراف، وبعضها كانت لديه أطراف صغيرة، وبعضها الآخر كان لديه أرجل وأقدام كاملة.
وقاموا بوضعها جميعا داخل مضمار سباق مجهز بالكاميرات، أنشؤوه فقط من أجل سحالي السقنقور في الغابات المطيرة في الفلبين، ومن ثم حفزوا السقنقور على الجري والحفر في التراب، وقاموا تسجيل تحركاتها بدقة كبيرة لتحليلها لاحقا. ووجد الفريق أن ذات الأطراف، قد تفوقت على الأخرى التي لا أطراف لها في كل من سرعة الحفر والحركة.
فقدان الأطراف وتكوينها مرة أخرى عبر شجرة عائلة السقنقور في الفلبين متزامنة مع تحولات المناخ المحلي (يوريك ألرت)
ويقول الباحثون إن الحيوانات التي لا أطراف لها كانت لها طريقتها الخاصة في البقاء على قيد الحياة في الغابة، فهي تزحف ببطء وتبتعد عن الأنظار بدلا من الاعتماد على السرعة.
كما يشير القائمون بالدراسة في ورقتهم البحثية إلى أن عملية فقدان وتكوين الأطراف مرة أخرى عبر شجرة عائلة السقنقور في الفلبين متزامنة مع التحولات في المناخ المحلي، والتي كان من الممكن أن تغير نسيج التربة التي تعيش فيها.
فمع ازدياد الجفاف اختفت أطراف السقنقور، ومع تلاشي هذه الظروف ظهرت الأطراف مرة أخرى في بعض الأنواع، مما يعطي لمحة نادرة عن كيف يمكن للكائنات -تحت ضغط تغير الطبيعة- إعادة أطرافها إلى الوجود مرة أخرى.
المناخ القديم
وبالرجوع إلى الأعمال البحثية المنشورة في المناخ القديم، تم الكشف عن نتائج مثيرة للاهتمام. فقبل 60 مليون سنة، عندما فقدت السقنقور أطرافها أول مرة، كانت المنطقة أكثر جفافا، وقبل 20 مليون سنة، عندما استعادت بعض أنواع السقنقور أطرافها، كان المناخ قد تحول إلى مناخ رطب ورياح موسمية.
يقول فيليب بيرغمان أستاذ علم الأحياء في جامعة كلارك في ووستر بولاية ماساشوستس، ومؤلف الورقة البحثية "يبدو أن المناخ في الماضي قد ارتبط بشكل جيد بفرضيتنا… ربما في الأجواء الأكثر رطوبة، كانت للأطراف مزايا لم تكن موجودة من قبل".
فقدت السقنقور أطرافها عندما كانت المنطقة أكثر جفافا، واستعادتها بعض أنواعها عندما أصبح المناخ رطبا (بيكسلز)
ويقول إن فكرة أن الهياكل المعقدة بمجرد زوالها تظل مفقودة ولا يمكن استردادها، هي فكرة منطقية من الناحية النظرية، فبمجرد توقف استخدام الجينات المشاركة في نمو الأطراف يمكن أن تتعرض لخطر التلف بسبب الطفرات العشوائية، وبالتالي عدم التمكن من إصلاحها لأنها لم تعد مفيدة.
إلا أن الأبحاث أظهرت أن العديد من هذه الجينات تظل موجودة وتحتاج فقط إلى إعادة تشغيلها عند الحاجة. ويقول بيرغمان إن "هناك اختيارا قويا للحفاظ على تلك الجينات… لذا يمكن تنشيطها مرة أخرى في المكان المناسب".