نابلس - النجاح الإخباري -
كتب عاموس يدلين وأودي افينتال
قبل 50 عامًا، في حرب يوم الغفران، واجهت إسرائيل هجومًا مشتركًا من الجنوب والشمال، مما وضعها أمام تهديدًا خطيرًا. لقد أدركت مصر وسوريا الأفضلية العملياتية والاستراتيجية الواضحة للهجوم من عدة جبهات في نفس الوقت، ونفذتا ذلك بشكل مفاجئ، مستغلين تهاون إسرائيل وغطرستها.
منذ توقيع اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن، غرقت سوريا في حرب أهلية أنهكت جيشها، وسقط سيناريو الحرب ضد الجيوش النظامية لدول الجوار بشكل عام وفي نفس الوقت بشكل خاص أُزيل من جدول الأعمال. مع ذلك، في العقود الأخيرة، أصبحت إيران عدوًا عسكريًا كبيرًا، حتى أنها قامت ببناء جيوش على حدود إسرائيل ذات قدرات كبيرة.
بعض أحداث التصعيد في السنوات الأخيرة، في ساحات مختلفة في نفس الوقت، أعادت إغراق النقاش حول سيناريو الساحات المتعددة. إن احتمال حدوث تصعيد واندماج العديد من ساحات القتال يفرض قيودًا على صناع القرار في إسرائيل، الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية، ويتطلب فهم الأولويات والأفضليات في ممارسة القوة.
مواجهة ممتدة: التحدي القديم الجديد
إن صراع على الساحة الفلسطينية يمتد بين جبهاتها ومن هناك إلى جنوب لبنان، واندماج جهات أخرى للتصعيد في عدة ساحات في الوقت نفسه، أمر يظهر منذ عقود في السيناريوهات المرجعية، وفي الخطط العملياتية للجيش الإسرائيلي، في تدريبه على تطبيقها في الحرب. علاوة على ذلك، افترضت إسرائيل دائمًا أن الهجوم على البنية التحتية النووية في إيران سيؤدي على الأرجح إلى حرب متزامنة مع حزب الله في لبنان وإطلاق صواريخ انتقامية من إيران ومناطق أخرى: سوريا، العراق واليمن – المناطق التي تبذل فيها إيران جهداً لتسليح وكلائها بأنظمة أسلحة تهدد إسرائيل. هذا هو السيناريو الذي تبادر فيه إسرائيل، ويجب أن يكون الرد متعدد الجبهات في التخطيط للحملة التي تتلو الهجوم.
من القدس والضفة الغربية سيبدأ الشر
رغم أن إمكانية اندماج الساحات كانت واضحة في السنوات الأخيرة، إلا أن التصعيد توقف في النهاية ولم يتطور إلى حرب متعددة الساحات. إنها ليست مجرد مسألة صدفة أو حظ. لا أحد من أعداء إسرائيل يرغب في الدخول في حرب واسعة النطاق معها، حرب تكاليفها باهظة. إنهم يفضلون تحديها تحت عتبة الحرب، حيث يفضل كل منهم خلق التصعيد في ساحات أخرى بعيدة عن أراضيه.
في ظل كثير من الظروف المعقدة، فإن احتمال التدهور واضح ويمكن تحديد مساره: أعمال شغب في الحرم القدسي، من بين أمور أخرى ردًا على استفزازات المتطرفين اليهود ووزراء الحكومة، تمتد إلى الضفة الغربية، وحتى إلى المدن ذات الصلة في إسرائيل، عمليات ضد المستوطنات والإسرائيليين على الطرق الرئيسية، عمليات مكافحة المقاومين في المدن الفلسطينية التي تواجه مقاومة مسلحة وعبوات ناسفة وتخلف شهداء، إطلاق صواريخ من غزة، ردود فعل كبيرة - وفي وقت لاحق وقوع تصعيد كبير.
الساحة الشمالية: استنزاف في الردع وزعزعة الاستقرار
منذ حرب لبنان الثانية، شاع الاعتقاد بأن حزب الله غير مهتم بالانجرار إلى حرب مع إسرائيل. هذا بشكل خاص في وقت يمر فيه لبنان بانهيار حكومي، اقتصادي، سياسي واجتماعي، ويتعرض التنظيم لانتقادات داخلية حادة لأنه يعرض لبنان للخطر في خدمة المصالح الإيرانية الخارجية، وإيران نفسها ليست مهتمة بخسارة حزب الله قبل فوات الأوان، حيث يعتبر هو الأصل الذي يردع إسرائيل عن مهاجمة منشآتها النووية. ورغم هذا فقد بدت واضحة في الأعوام الأخيرة عملية تآكل قوة الردع التي تتمتع بها إسرائيل في مواجهة حزب الله، والتي تسارعت على خلفية الأزمة الداخلية التي تعيشها إسرائيل.
أما بالنسبة لتوحيد الساحات في سيناريو اندلاع الحرب في الشمال؟ احتمال هذا ليس كبيرًا بالضرورة. ومن المعقول أن حماس لن ترغب في ادخال غزة في مواجهة لن تحدث فيه قوتها فرقًا كبيرًا، وتلقي رد فعل قاس من إسرائيل قد يمر تحت الرادار الدولي عندما تتعرض الجبهة الإسرائيلية لهجوم صاروخي واسع النطاق. ومع ذلك، إذا قررت أن تفعل ذلك، فسيكون لزاماً على إسرائيل تخصيص موارد هجومية ودفاعية لغزة أيضًا باعتبارها ساحة ثانوية.
وفي ظل هذه الظروف فإن الساحة الأخرى التي تتمتع بأكبر قدر من القدرة على تحدي إسرائيل هي الضفة الغربية مرة أخرى. وفي ظل الحرب الدائرة في الشمال، فمن المرجح أن تستغل البنية التحتية في الضفة الغربية والتنظيمات الشبابية المسلحة الفرصة المتاحة أمامها من أجل زيادة وتيرة العمليات ضد قوات الجيش الإسرائيلي، المستوطنات والعمق الإسرائيلي.
سيناريوهات الاستمرار والتهديد الداخلي
في الوضع الحالي، من الممكن تحديد خمسة سيناريوهات للعام المقبل ستكون الأكثر تأثراً بقدرة الحكومة الإسرائيلية على احتواء الأحداث في الحرم القدسي والضفة الغربية، منع الاستفزازات من اليمين والإسلام المتطرف، وإحباط عمليات تسفر عن سقوط العديد من الإصابات. وفيما يلي السيناريوهات بترتيب تنازلي لاحتمال وقوعها:
استقرار الوضع الأمني – أن تنجح إسرائيل بالسيطرة على الأحداث التي ستتطور في القدس خلال الأعياد واحتوائها. إحباط العمليات الصعبة بشكل خاص في الضفة الغربية، والتي قد تتطلب ردًا متصاعدًا، ومنع إنشاء مراكز اشتعال إضافية في غزة أو في السجون.
تصعيد في الساحة الفلسطينية وفي إسرائيل – حادث خطير يمكن أن يشعل الساحة ويثير رد فعل إسرائيلي شديد، حماس في غزة تنضم إلى المعركة، وتمتد الأحداث إلى مناطق الخط الأخضر. وتتجنب إيران وحزب الله تحويل التركيز نحو الشمال ويتركان الساحة الفلسطينية لتحترق.
السيناريو الخطير، الاشتعال في الشمال – حزب الله، بتشجيع من إيران، يذهب أبعد من ذلك وينفذ عملية خطيرة أخرى داخل إسرائيل أو في الخارج أو على حدودها، مما يضطر إسرائيل إلى الرد بقوة.
مواجهة في عدة ساحات - الساحة الفلسطينية تشتعل والمحور الراديكالي، حزب الله وإيران، يستغل الأزمة الداخلية في إسرائيل والخلاف مع الولايات المتحدة لمهاجمتها بشكل مدروس ومحدود، معتقداً أنه يستطيع الذهاب إلى ما دون عتبة الحرب الشاملة.
حرب شاملة، رغم الاحتمالية الضعيفة (هل تذكرون 1973؟) وآمال الأعداء في أن تنهار إسرائيل من الداخل ولا داعي للمخاطرة بمواجهة معها، فإنهم يبادرون إلى حرب شاملة على كافة الجبهات.
خلاصة القول، إن إسرائيل تواجه سلسلة من التهديدات الخطيرة من ساحات مختلفة، وحتى لو فضّل كل واحد من أعدائها البقاء خارج الحرب، إذا اندلعت، فليس من الواضح على الإطلاق أن جميع الأطراف ستتمكن من السيطرة على التصعيد.
في ظل هذه الظروف، يجب على إسرائيل أن تحافظ على مستوى عال من الردع والاستعداد أمام جميع الجبهات، وتعظيم الكفاءة في مجالات الاستخبارات، القوات الجوية والمناورة البرية، وتحسين خططها العملياتية للتعامل مع تصعيد متعدد الجبهات. إن التوترات في هذه السياقات كبيرة. واحتمال اشتعال النيران في الضفة الغربية وفي الساحة الفلسطينية بشكل عام، يستلزم نشر قوات على نطاق متزايد على طول الحدود، حساب الاستعداد والكفاءة للحرب أمام حزب الله في الشمال، التهديد الأخطر على حدود إسرائيل.
هذا ويرتبط الواقع الأمني المعقد وتهديدات التصعيد على مختلف الساحات بالدوامة الحادة التي أدخلت الثورة القضائية إسرائيل فيها. تقويض التماسك الداخلي، أزمة الاحتياط والإضرار بكفاءة الجيش الإسرائيلي، هجمات الحكومة ضد قادة المنظومة الأمنية وقواتها، الخلاف مع واشنطن عن دعمنا الاستراتيجي - كل هذا يبث الضعف ويلحق ضرراً بالغاً بالردع. لذلك، فإن الخطوة الأكثر إلحاحًا وفعالية لاستعادة الردع هي دحر الانقلاب الحكومي والقضاء عليه، المدمر والذي لا لزوم له، والعودة التدريجية للتماسك والكفاءة العسكرية لقوات الجيش الإسرائيلي، وحبذا لو كان ذلك قبل عام واحد.