وكالات - النجاح الإخباري - ضجة تثار على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر كلما أعلن عن العثور على عدد من الحمير مذبوحة ومنزوعة الجلد، كان آخرها منذ أيام في محافظة المنوفية شمال القاهرة، وكان أكثرها إثارة للضجة عندما عثر على مئات الحمير المذبوحة في منطقة صحراوية بمحافظة بني سويف قبل سنوات.
لكن الإثارة الكبرى خلال الأيام الماضية جاءت عبر تصريحات وكيل الشعبة البيطرية في المركز القومي للبحوث الدكتور أحمد عبدون أبرزها الإعلام المحلي، والتي قال فيها إن إجمالي عدد الحمير في مصر بلغ 3.2 ملايين رأس في عام 2014، لكن العدد تقلص بشكل كبير ليصبح الآن مليون رأس فقط.
وبعد أن كان المصريون يتحدثون عن إقدام بعض ضعاف النفوس على ذبح الحمير وبيع لحومها لمحلات بيع "الكباب والكفتة" اتضح أن هناك سببا آخر لذبح هذه الحيوانات ربما أكبر من اللحم، وهو الحصول على جلودها.
وبالتالي، أصبح السؤال الذي يتكرر في تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي على هذه الأخبار: أين ذهبت تلك الجلود؟ وفيمَ تستخدم؟ وكم صدّر منها للصين التي تستخدم جلودها لاستخراج عقاقير لمعالجة عدة أمراض وتأخير الشيخوخة؟ وهل كان خروجها من الأبواب الشرعية؟ وما حقيقة ما يتردد عن استخدام جلود الحمير في مصانع الحلويات كمصدر للجيلاتين الذي يمثل بديلا رخيصا للسكر؟
أسعار خيالية
الطبيب البيطري أمين شعبان بدأ بالقول مبتسما: أطمئن المصريين الذين فزعوا من كم الحمير المذبوحة والملقاة في الصحراء والأماكن المهجورة أن الموضوع ليس له علاقة ببيع لحوم الحمير على أنها لحوم أبقار، فمعظم التعليقات على الحمير التي وجدت مذبوحة في الطرق حملت ما يشير إلى أن المعلقين كانوا يعتقدون أن تلك الحمير كانت معدة للتوزيع على محال الجزارة لبيعها للمواطنين، وهو أمر غير صحيح.
وحسب شعبان، فإن لحوم الحمير لها رائحة ولون داكن عن اللحوم الأخرى تنفر معظم من يشمها أو يراها وتجعله يحجم عن شرائها كلحوم إن عرضها جزارون محتالون، ولهذا ربما يلجأ هؤلاء إلى خلطها مع لحوم أخرى لصنع الكفتة، لكن القصة الأساسية تتعلق بتجارة أكبر وأكثر ربحية بكثير تتعلق ببيع جلود الحمير وتصديرها.
وقد قرأنا -يقول شعبان- أن البورصة العالمية في الصين قد ثمنت جلد الحمار بأكثر من 470 دولارا أميركيا، أي نحو 7500 جنيه مصري، فيما سعر الحمار كاملا في مصر يتراوح بين ألفين و2500 جنيه.
مزايا طبية هائلة
بدوره، يشير أستاذ الرقابة الصحية على اللحوم ومنتجاتها في كلية الطب البيطري بجامعة الزقازيق محمد عبد الله حسين إلى أن الصين تستخدم جلود الحمير والجيلاتين المستخرج منها كمصدر خاص لإنتاج مادة "إيجياو" (ejiao) المركب الأساسي في عقار يصنع بالأساس كمكمل للدم المفقود.
لكن الصينيين -يضيف حسين للجزيرة نت- بدؤوا في استخدام العقار كعلاج يمنع الشيخوخة والعقم والإجهاض، وكذلك الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي، وتصنع منها منشطات جنسية، ومن ثم تضاعفت أسعار هذه المادة لتصل إلى أكثر من 40 أو 50 ضعفا خلال سنوات قليلة.
ومن هنا، بدأت الشركات الصينية بالتوجه إلى أسواق البلدان النامية لاستيراد جلود الحمير بأسعار مغرية وصلت في بعض الأحيان إلى مئات الدولارات لجلد الحمار الواحد، الأمر الذي خلق حالة من الهوس لدى كثير من المواطنين للتجارة في جلود الحمير، على حد قوله.
اليابان وجلود الحمير
من جانبها، تؤكد رئيسة شعبة البحوث البيطرية في المركز القومي للبحوث الدكتورة منى سعيد أن التصدير للصين رغم كبر حجمه ليس المسؤول الوحيد عن ذبح الحمير، فهناك كثير من مصانع مستلزمات الحلويات التي تستخدم الجلود في إنتاج الجيلاتين الذي يعد بديلا رخيصا للسكر الذي يدخل في تصنيع الحلويات، خاصة الكيك والكرز الصناعي.
وتضيف منى للجزيرة نت أن اليابان دخلت هي الأخرى على خط استيراد جلود الحمير، حيث تستخدمها في صناعة مستحضرات التجميل كون دهون جلد الحمير زيتية سائلة، وتستخلص منها كذلك دواء لمعالجة تجاعيد الوجه والجسم وصناعة الواقيات الذكرية.
بل إن جلود الحمير تدخل في استخدامات أخرى مفيدة جدا للبشرية في المستقبل، حيث يستخدمها الباحثون في المجال الطبي، وتحديدا في الأبحاث العلمية المتعلقة بمرض السرطان، وكيفية علاجه، على حد قول الطبيبة البيطرية.
ورفض أكثر من صاحب مصنع حلويات التعليق على فكرة استخدام الجيلاتين المستخرج من جلد الحمار في تصنيع الحلوى، قائلين إنهم لا يريدون المساهمة في انتشار معلومة يروج لها الإعلام والقنوات من أجل جذب المشاهدات، على حد قولهم.
تصنيع الحلويات
من جهته، استبعد مدير فرع لأحد محال الحلويات الشهيرة إيهاب عامر صحة المعلومة المنتشرة في هذا الصدد، مؤكدا أنه لا يتصور الفكرة، متسائلا: ألم يخرج إعلامي كبير منذ سنوات وتحدث عن أن الجيلاتين يستخرج من جلود الحيوانات النافقة؟
ويكمل عامر في حواره للجزيرة نت أن كل هذا الكلام مجرد استنتاجات لا ترقى إلى المعلومة المؤكدة ولا تقدم حقيقة علمية مثبتة، ونحن نشتري الجيلاتين المستخدم في الحلويات جاهزا ولا نشعر فيه بأي شيء غير طبيعي.
وأضاف أنه إذا علمنا أن تصدير جلود الحمير للصين وغيرها يدر أرباحا خيالية فلماذا يقدم التجار على بيعه لمصنعي الجيلاتين المحليين؟ ولماذا لم ترتفع أسعار الحلويات مع الارتفاع الرهيب في أسعار تلك الجلود؟
وطبقا لتقرير نشرته منظمة "دونكي سانكنتشري" عام 2017 يبلغ عدد الحمير المذبوحة بالصين سنويا -ومعظمها مستوردة من الدول النامية- للحصول على مادة "إيجياو" 1.8 مليون حمار من أصل العدد الإجمالي للحمير في العالم المقدر بنحو 44 مليونا.