النجاح الإخباري - يعتقد كثير من الناس أن الجري ربما يريحهم ذهنيا ويحسن طريقة تفكيرهم بعد حالة من مشاعر الألم والإحباط، ويبدو أن عددا متزايدا من علماء الأعصاب بدؤوا يأخذون هذا الاعتقاد على محمل الجد، كما أخذوا في السنوات الأخيرة يكشفون عما يحدث فعليا داخل أدمغتنا أثناء الجري.
قد يكون من الجنون الاعتقاد أن الجري هو حل شامل لكل مشاكلنا النفسية، فمن وجهة نظر الدماغ ربما لا ترغب في الضغط عليه كثيرا، فقد مسح علماء أعصاب ألمان أدمغة بعض العدائين قبل وبعد ماراثون بطول 4828 كيلومترا يستمر 64 يوما متواصلة فوجدوا أن المادة الرمادية لدى العدائين انكمشت بنسبة 6%، في حين أن الانكماش "الطبيعي" لتلك المادة المرتبطة بالشيخوخة لا يتجاوز 0.2% سنويا، ولحسن الحظ لم تنته القصة بشكل سيئ حيث عادت أدمغة العدائين إلى طبيعتها بعد ثمانية أشهر.
لكن إذا كان الجري لمسافات هائلة يحمل نتائج عكسية فإن من الواضح حاليا أن الجري المعتدل يمكن أن يؤدي إلى فوائد حقيقية للغاية، وقد أظهرت مجموعة من الدراسات أن الجري يمكن أن يساعد على استعادة الشعور بالسيطرة في عالم باتت فيه الهواتف الذكية تطمس الحدود بين العمل والحياة، فعلى سبيل المثال أظهرت تجربة من جامعة غرب ميشيغان هذا العام أن الجري السريع لمدة نصف ساعة يحسن عتبة "تردد الوميض القشري" الذي يرتبط بالقدرة على معالجة المعلومات بشكل أفضل.
كما أظهرت دراستان أخريان من جامعتي ليتوانيا الرياضية ونوتنغهام ترينت أن الجري المتقطع يحسن جوانب "الوظيفة التنفيذية"، وهي مجموعة من القدرات الذهنية عالية المستوى التي تشمل القدرة على تنظيم الانتباه وإزالة تشتت التفكير، والتبديل بين المهام وحل المشكلات.
وأكدت دراسة تصويرية للدماغ من جامعة أريزونا تلك النتائج بدقة، حيث درس علماء الأعصاب الدماغ في حالة الراحة، ووجدوا نشاطا منسقا متزايدا في مناطق، ولا سيما في مقدمة الدماغ معروفة بارتباطها بالوظائف التنفيذية والذاكرة العاملة.
كما شاهد العلماء تراجعا في النشاط داخل "شبكة الوضع الافتراضي"، وهي سلسلة من المناطق المتصلة بالدماغ التي تسارع للعمل كلما كنا خاملين أو مشتتين و"شبكة الوضع الافتراضي" هي مصدر المناجاة الداخلية ومحرك توهان العقل والصوت الذي يجتذب الماضي، وآثاره ليست دائما موضع ترحيب، وترتبط دائما بالاكتئاب السريري.
وربما يفسر كل ما سبق لماذا قد يجد بعض الناس أن الجري قد يكون وسيلة مفيدة للتغلب على التوتر والاكتئاب، فعندما تكون تحت الضغط تقوم العمليات الأيضية في الكبد بتحويل حمض التريبتوفان الأميني إلى جزيء يحمل اسم "نيوريناين"، والذي يجد طريقه إلى الدماغ، حيث يرتبط تراكمه بشدة بالاكتئاب الناجم عن الإجهاد، والقلق وانفصام الشخصية.
وعندما تمارس الرياضة فإن مستويات أنزيم يدعى "كينوريناين أمينوترانسفيراز" تتراكم في العضلات، ويعمل هذا الأنزيم على تفتيت الـ"نيوريناين" إلى حمض الكينورنيك ذي الصلة، والذي -وهو الأهم- لا يمكن أن يدخل إلى الدماغ، ولهذا فإن تمرين عضلات الهيكل العظمي يطهر مجرى الدم من مادة يمكن أن تسبب مشاكل في الصحة العقلية.