النجاح الإخباري - كان السلف -رحمهم الله- يستقبلون رمضان بالفرح، والاستبشار، والحمد لله على نعمة تبليغه إيّاهم لشهر رمضان المبارك؛ وذلك لعلمهم بأنّه ركنٌ عظيمٌ للإسلام، وعليه يقام صرحه الشامخ، ولِما بشّرهم به الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من مبشراتٍ، وفضائلٍ، ومزاياتٍ في شهر رمضان العظيم، الذي تُفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفّد فيه الشياطين، فقد ورد أنّهم كانوا يدعون الله -عزّ وجلّ- أن يبلّغهم إيّاه طيلة ستة أشهرٍ كاملةٍ، ثمّ إذا جاءهم، وانقضى عنهم دعوا الله أن يتقبّله منهم ستة أشهرٍ أخرى، وكان يحيى بن أبي كثير -رحمه الله- يدعو الله، فيقول: (اللهمّ سلّمنا لرمضان، وسلّم رمضان لنا، وتسلمه منا متقبّلاً)، وكانوا يعدّون رمضان مدرسةً لتعويد أنفسهم على صيام النوافل، وقيام الليل، كما كانوا يرونه شهراً للقرآن، وسماعه، وتلاوته، وتدبّره، والعمل به، لذلك كان سفيان الثوري -رحمه الله- إذا دخل رمضان، ترك جميع أعماله، وأقبل على القرآن الكريم يتلوه، ويتدبّره.
وكان السلف -رضي الله عنهم- يسارعون في رمضان؛ لبذل الجود، والعطاء، وإذابة الشُحّ، والبخل من نفوسهم، حتى أنّ حماد بن أبي سليمان كان يفطّر في رمضان خمسمئة مسلم، وكانوا يستقبلون رمضان بسؤال الله تعالى أن يُعينهم فيه على العمل الصالح، ويكتب لهم القبول فيه، ثمّ يجتهدون في العمل الصالح، مع قلقهم المستمر من قبول الله تعالى له، وكانوا إذا دخل رمضان، تركوا أعمالهم، وتفرّغوا للعبادة، والطاعة، وتقلّلوا من مشاغل الدنيا وأمورها، ووفّروا الوقت للجلوس في بيوت الله تعالى، يقرؤون القرآن، ويتدارسونه، وكانوا يرون في ذلك حفظاً لألسنتهم من الغيبة، ولأوقاتهم من الضياع.