قسم اللغة الإنجليزية- جامعة النجاح - آية خالد طه - النجاح الإخباري - تعدّ العلاقة بين الترجمة والاستعارة علاقة متينة ذات امتداد جذْريّ، إذ تلتقيانِ في كونهما مفهوميْن تأويليَّيْنِ، فلا يكفي في الترجمةِ نقلُ المعنى أو الفكر من لغةٍ إلى أخرى فحسب، ولا تقتصرُ الاستعارة على الأدبِ والصورِ البلاغيّة، بل إن كلا المفهوميْن مرتبطٌ بالفكر والثقافة، وهو أيضا ما يمكنُ اعتباره تأويلا ”interpretation”.
سنتحدثُ في هذا المقال عن ترجمة الاستعارةِ، -بوصفها شعرا- من العربيّة إلى الإنجليزية. وليست الترجمة هنا بالأمر الهيّن؛ فإذا كان تعريفُ أحد الشعراء الإنجليز للنثر "prose should be witched" أي: أن النثر كلامٌ مسحور، فكيف يكون الشعرُ الذي هو أدعى للسحر. إنّ اللغة وحدَها لا تكفينا في عمليّة الترجمة، إننا بحاجة إلى أن ندركَ الفكر وخصوصيته في الثقافتين؛ العربية والإنجليزية وذلك لإنتاج ترجمة مكافئة -قدر المستطاعِ- في اللغة والنص الهدف وهذا ما يُصطلح عليه بـ "strategic decisions".
سنفترضُ، بداية، أن الاستعارة شعريّة بالضرورة، وسنتكِّئ في ذلك على قول بول ريكور: "كل استعارة قصيدة مصغّرة"، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ العرب القدماء كان لهم موقفٌ من ترجمةِ الشعر، ونذكر هنا الجاحظ عندما رفضَ ترجمة الشعر لأنه نظم يستحيلُ إيجاد مثيل له في لغة أخرى، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ هدف الترجمةِ، هو تشجيع التفاهم والتواصل بين ثقافات مختلفة، فالأدبُ يملُّ نفسه، ما لم ينعشه إسهام أجنبيٌّ، حسب تعبير يوهان غوته. سمعتُ عبد الفتاح كيليطو مرة يقول "إنّ القصيدة عندما تترجم فإنها تفقد بالضرورة شيئا ما، لكننا نعتقد أنه قد يضاف إليها شيء، فيكون الأمر مربحا إلى حد ما"، فأن نفقد شيئاً في الترجمة، فذلك أمرٌ جَدُّ طبيعيّ، وهذا ما نطلق عليه " translation loss" فلا توجدُ ترجمة حقيقيةٌ مكافئة للنص المصدر. فاستراتيجيات الترجمة تتطوّر مع تطوّر اللغة والفكر وكذلك الأمر مع الاستعارة؛ فإنها تتطوّر! ولنخصص أكثر استراتيجيات الترجمة، إذ تحتوي الأخيرةُ على معاييرَ لتجانس النص المصدر مع النص الهدف، فحتى نبني جسرا متينا بين اللغتين يجب اختيار خامات عالية الجودة؛ للحصول على ترجمة ممتازة (Meaning, impact, and aesthetic). على أيّ حال، سنحاولُ، على سبيل التمثيل لا الحصر؛ عرضَ ترجمة الاستعارة -بوصفها شعرا- آخذين بعين الاعتبار الثقافة واللغة والفكر، كما ذكرنا آنفا.
فلو أخذنا عنوانَ قصيدة محمود درويش" أبد الصُبار" سنجدُ أن الترجمة كانت كالآتي: The Eternity of Cactus، هنا نلاحظُ أنْ الترجمة كانت ترجمة تواصلية لا معنوية، ومقابلاً شكلياً لا ديناميكياً؛ أي أن عملية الترجمة لم تخلقْ أثرا أو ردة فعل من قبل الجمهور "literal translation"، فلو تمت ترجمتها باستخدام استراتيجية التكيّف "Adaptation" لكان من الممكن أن تكون ترجمتها (The Eternity of Durian)، فمثلاً فاكهة الدوريان يقابلها تقريباً فاكهة الصبر عند شرق آسيا، هنا نلحظُ أننا سنغيّر في المعنى، لمحاولةِ إيصالها إلى ثقافة أخرى، وبذا؛ ستفقد القصيدة جزءا من سياقها الثقافيّ الخاص، لذلك تم استخدام الترجمة الحرفية. ولو اطلعنا على مقطع في تلكم القصيدة:
"لماذا تركت الحصان وحيدا؟ لكي يؤنسَ البيت يا ولدي" لوجدنا أنّ الترجمة:
“Why did you leave the horse alone?
To keep the house company”
وبملاحظة الفعل(keep): أي؛ يحافظ على، سنجد المعنى ناقصا، وأعتقد أنه من الأفضل؛ أن نضعَ الفعلَ (humanizes) بدلا من (keep) للدلالة على الأنس الذي يعنيه درويش.
ولو أخذنا مقطعاً آخرَ من قصيدة أخرى للشاعر نفسه "هديل الحمام":
"تركتُ المنام يجددُ في ذاتِه ذاتَه" لدينا هنا بلاغة وجمالية كبيرة في المقطع "Aesthetic"، تساءلت حقاً كيف يمكن للمترجم أن يترجمها بصورة تحافظ على هاته البلاغة، بعد البحث الطويل كانت الترجمة كالتالي: “I left sleep renewing itself in itself”. فوجئتُ بأن الترجمة كانت حرفية بحتة! أضف أيضاً قصيدة درويش "لو كنتُ صياداً" في مقطعه:
"لاتخافي البندقية يا شقيقتي الشقية"
شقيقتي الشقية تحتوي على نوع جمالي من ناحية تكرار الحرفين الشين والقاف. تبادرَ إلى ذهني على الفورِ استراتيجتي:
"pattern repetition and assonance" و "pattern repetition and rhyme"
حيث تُرجم المقطع على أنه:
"Don't be scared of the rifle, wretched sister, it's a trifle"
فالكلمتان rifle)) و (trifle) لهما نفس القافية "rhyme". إنّ المترجم حاول التقريب بين البلاغة والجمال ولكنه لم يكن دقيقا، وهذا طبيعيّ، يقول ستيڤن بينكر: "لو استطعت ترجمة المعنى فلن تترجم وقع حضور الصوت، كأن تمتلك صوتا حادا قاسيا في لغتك لتترجمه إلى صوت ناعم خفيف، وهنا قد تفقد ذلك المعنى الزائد في وقع الصوت على المعنى الحرفيّ".
لجمع الاستنتاجات أعلاه، نرى أن الترجمة الحرفية قد طغتْ على غيرها في ترجمة الشعر والاستعارة؛ لأنها تساعد في الحفاظ على الأسلوب والأداء الأصلي للشاعر، ولكن هذا الأسلوب يؤدي إلى فقدان جزء كبير في جمالية وأصوات القصيدة!
وأخيرا؛ أقولُ قد يبدو ساذجا القول إنني لا أفضِّلُ ترجمة الشعر؛ لأنها لا تعطي المعنى حقه، لكن الترجمة في هذا المقام، قد تكون ضرورية، وأتفق مع الكاتب عبد السلام بن عبدالعالي عندما رأى أن الترجمة عندما تكون وسيلة انفصال عن الثقافة واللغة، فإنها تصبحُ مكرّسة للاختلاف ومغذية للثقافة ومنعشة للهوية. فالترجمة تمكننا من التعرف إلى الآخر وثقافته ولغته، وبطبيعة الأمر، لا يمكننا ترجمةُ كل شيء، وهذا لا يضرّ أبدا بعمل المترجم، فلا يعني "تعذّر الترجمة" عدم قدرة المترجم على الترجمة، بل هذا يعني أن لكلّ لغة خصوصيةً لا يمكنها أن تُهضم في لغة أخرى، زد على ذلك؛ أنّ الترجمة تأويلٌ من درجة ثانية، فهي في نهاية الأمر عملية تأويليّة حتّى بين المترجمين أنفسهم!