كلية الآداب - جامعة النجاح الوطنية - زينة يوسف أبو جفال - النجاح الإخباري - لطالما كان الجمهور الكروي حاملاً للقضايا الإنسانية عبر السنوات، ملتفاً حول كلّ من هو مظلوم منسيّ، باحثاً عما هو شائقٌ غيرُ مألوف. وفي عامنا المنصرم (2022)، جاء مونديال قطر يعرض للعالم أجمع ما تحت المجهر بدقة عالية وجودة لافتة؛ لتتجهَ عدسات المصورين إلى ما هو غائبٌ منذ سنوات، فتضعنا في دائرة التأمل في نظرية أطلقت عليها "نظرية الحضور في ظل غياب النقيض". وأعني الحضور الفلسطيني في ظل غياب نقيضه الإسرائيلي.
برزت رمزيةُ القضية الفلسطينية في الفضائيْن العالمي والعربي في مونديال قطر 2022، لكونِ هذا الحدث يشكّلُ منصةً عالمية. فبالرغم من ميولك الكروية، محباً كنت أو باغضاً، لن تستطيعَ أن تنكرَ أهمية المونديالات في عصرنا، بصفتها وسيلة إعلام متكاملة الجوانب، على شاشاتها يكرمُ المرءُ أو يُهان. وكان من حظّ القضية الفلسطينية أن يُرَوَّج لها وتُكرَمَ بعد أعوام من الذل والنسيان. وكان أول هذا الترويح أن تحدثت القنوات الأمريكية والبريطانية عن حضورها؛ فانتقلت من كونها قضية عربية إلى قضيةِ رأي عام. وشكَّلت المناصرة جرعةَ تفاؤلٍ بعد سنوات من الثورةِ المضادة التي سحقت آمالَ الربيع العربي بالتحرر.
شكَّل مونديال قطر فرصة ذهبية للشعوب العربية من أجل مناهضة التطبيع. فحضرت الحقيقة التي لطالما حاولت الأنظمة العربية إخفاءها بين طيّات المفاوضات، على طاولاتٍ داكنة تعانقت فوقها أيادٍ تحاولُ الظهور بصورة "الكيان الطبيعي" في المنطقة، لنجد المونديال يسلّطُ الضوء على حالٍ من الرفض العربي للوجود الإسرائيلي. فعلى حدِّ قولِ الإسرائيليين ذاتهم: "لن ينجحَ أيّ اتفاقٍ مهما كان مثالياً ناجحاً أن ينسيَ الجمهورَ العربي واقع الصراع". وظهر هذا الرفض جليّاً على ألسنةِ الجمهور الكروي مرددين شعاراتٍ داعمة ومناصِرة للقضية الفلسطينية، مقابل ألفاظٍ ساخطة محبِطة لكل ما هو إسرائيلي. بالإضافة إلى رفضهم إجراء أي مقابلاتٍ إعلامية على فضائيات إسرائيلية، وتحيّن الفرص لإحراج الصِحافيين الإسرائيليين. ومن جانبٍ آخر نجدُ العلمَ الفلسطيني حاضراً في كل المباريات، مرفوعاً على الأكتاف، على نقيضِ عدوّه الإسرائيلي الغائب. وفي ذلك كتب الصحافيان الإسرائيليان راز شيكنك وعوز معلم: "نشعرُ بأننا مكرهون، محاطون بالعداء، غير مرغوب وغير مرحب بنا، في الشارع يرافقنا فلسطينيون وإيرانيون وقطريون ومغربيون…. بنظراتِ حقدٍ وكراهية".
ربما أصغى كاتبَ التاريخ لتميم هذه المرة، فأعادَ الكتابةَ والقراءة مرة أخرى ولم يستثنِنا، وعارضت الجماهيرُ العربية قصيدته الشهيرة قائلة: لا تبكِ عينُك أيها العربي المنسي… واعلم أنه في المونديال من في المونديال… لكن لا أرى في المونديال إلا أنت.