رام الله - النجاح الإخباري - أصدر الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين بيانًا في الذكرى الثامنة لرحيل شاعر فلسطين الكبير سميح القاسم جاء فيه:
"يحجب الضباب الجبال ولا يغيبّها، وتستر الأبواب الحدائق ولا تغلق عليها، ليبقى الشاعر حاضرًا بقصائده، ورنة الحنجرة، وكيف لا وإن كان سيد الكلمة وثائرها الجسور،يردد مع الأزرق الفصيح: يا ليل المحتل الطويل إلى زوال قريب، مع وصول "مواكب الشمس" و"أغاني الدروب".
ثماني سنوات وسميح القاسم عين الشعر على التلال، ويد النهر الجاري بين رافدين من شوق وحنين، وغزل الأشجار لخشفها؛ الإيقاع يسمعه العابرون، فيهابه الجند من تحت الثرى، كلما قرأت النسور قصائده على السهول من "دمي على كفي" حتى "كولاج" بوجهها الثالث، وما "بغض النظر" عنها ببعيد، فويل للذين تخشبت صدورهم عن هواء الحلم الكبير وانزاحت عنهم الأماني بالرجوع إلى دالية الجدة، وعكا في محراب الروح تفتح الوعد الذي يخاله البعض مستحيل.
سميح القاسم الثوري الغاضب، والجامع الناري لعزائم المضطهدين في بقاع الظلم لم يصمت ليسكت عن نفس ترجو المهادنة، وتطلب السلامة الفردية، بل ترك شؤونه الخاصة بما فيها حياته الذاتية إلى أجل يحضر الحرية فيكون مشغلها، وأما العمر قضية، وكل ما في القضية بطل يمشي منتصب القامة.
سميح القاسم توقيت حاسم لفارق واضح بين وطنٍ معافى، ووطن جريح، بين سماء صافية فوق بئر العائلة، وسماء كأرض قحط تشوهها الشقوق الواسعة، وهو الفصل بالسيف لكتابة الماضي المجيد، والفصل بالكلمة لخلاص موعود، ولم تكن "مجرد منفضة" في سيرة شعب يخوض المعركة من أجل الوجود المستحق.
لم يأت خريف الغياب ولن؛ لأن سميح القاسم المعنى الحاسم في أزمة الحرمان، لا حل لها إلا بزوال المحتل، وفتح السقوف السوداء أمام شمس تنتظر طهارة البلاد، عنده الشعر يغتسل بالحجارة والنار، ولا تخضع اللغة لمساومة رافعي القبعات المزيفة ولا لحملة السكاكين، فالكلمة جمرة، والعبارة قنبلة، والطريق لا رأس لها سوى رأس العودة إلى أرض البرتقال.
لن ننسى سميح القاسم وأمثاله عندنا أغلب من كل نسيان، ومن فوق جسر الذكرى نجدد له العهد الأخضر، ونسمع منه الرقية المقدسة في حمل الأمانة، ليبقى كل هذا القهر وراء ظهورنا يوم أن ننزل عن منحدرات الخذلان، ونصل إلى مرابع التسابيح الصافية، لنجدد للدار عيون الماء، ونمسح الغبار عن جرح أتعب الغزاة قبل طلوع الصبح. عشت حيًا فعاشت فينا ثورتك، ومت حرًا لنحيا على عهد بالدم نكتب فيه لفلسطين".