منال الزعبي - النجاح الإخباري - تثير ملامسة الكاتب للتابوهات الثلاثة (السياسة، والدين، والجنس) جدلًا واسعًا في الأوساط الثقافيّة، بين مشجع لحريّة الكتابة والتعبير، وفض اللثام عن الأديب ليحلِّق في كلِّ الفضاءات، وكان الكاتب والروائي المغربي محمد شكري بخبزه الحافي قد أثار حنقة وغضب الكثيرين حين دافع عنه من رأوا أنَّه عبَّر عن واقع معيش ونقله عبر سيرة ذاتيّة.
ولم يغب اسم الكاتب المغربي محمّد شكري (1935 - 2003)، عن "مهرجان ثويزا للثقافة الأمازيغية" الذي يُنظَّم في مدينة طنجة منذ (2005). ضمن فعاليات دورته الرابعة عشرة، التي انطلقت الخميس الماضي وتستمرّ حتى يوم غدٍ الإثنين.
وتُقام الدورة الثانية عشرة من "خيمة محمّد شكري" التي تُنظّمها مؤسّسةٌ تحمل اسمه.
وتحمل هذا العام عنوان "محمّد شكري مغاربياً" في ما يبدو محاولةً للإضاءة على الأبعاد المغاربية في كتاباته، وتستضيف كتّاباً من المغرب وخارجه للحديث عن تجربة صاحب "الخبز الحافي"، تصفهم بالأصدقاء المقرّبين من شكري، وكان من اللافت أنَّ أصدقاء شكري تزايدوا بشكلٍ كبير بعد رحيله.
المهرجان الذي انطلق منذ بداياته تحت عنوان "جرأة المثقف" شهد هذه السنة حضور نخبة من المثقفين، منهم الأديب الجزائري واسيني الأعرج الذي اعتبر أنَّ كلمة "الجرأة" هنا فيها قصور، لأنَّ الجرأة قد تحمل تفاهة إذا كانت بهدف الشهرة لا بهدف الإفادة، معرّفًا جرأة المثقّف بالانخراط في العمل على ما يقوله، لأنَّ الكلام والتعبير وحده ليس مقياسًا لجرأة المثقف، والجرأة لا تعني الوقاحة والفضاضة بحسب الأعرج.
في حين اعتبر الناشط الحقوقي والسياسي صلاح الوديع، أنَّ "المثقف هو جرأة المجتمع على نفسه"، لأنه يلامس بالضروة القضايا الحساسة، وينبغي أن يتميّز بالاستقلاليّة عن كلِّ مصادر السلطة، فدور المثقف لا ترف فيه إنّما تفرضه ضرورات الواقع.
المثقفون في الأغلب مطالبون بالصدق كحاجة ملّحة ومصدر ثقة في القضايا المطروحة، ما يجعل صداها مسموعًا ومؤثّرًا، وأنَّ المجاملات في الثقافة هي هرطقة فارغة ومضغ كلام، أو سعيًّا وراء السلطة الماديّة، ما يُشكِّل خطرًا على المجتمع من خلال بث الافكار المسمومة والموجّهة.
من هو محمد شكري؟
محمد شكري، كاتب وأديب مغربي أمازيغي ولد سنة (1935) في آيت شيكر، في إقليم الناظور شمال المغرب، وعاش طفولة صعبة وقاسية في قريته، التي انتقل منها إلى مدينة طنجة انازحًا مع أسرته الفقيرة سنة (1942م).كان يتكلّم الأمازيغيّة فقط، وعملَ كصبي مقهى وهو دون العاشرة، ثمَّ حمّالاً، فبائع جرائد وماسح أحذية، ثمَّ اشتغل بعد ذلك بائعًا للسجائر المهربة. انتقلت أسرته إلى مدينة تطوان، إلا أنَّه آثر العودة إلى طنجة.
تعلّم شكري الكتابة والقراءة في العشرين من عمره، إذ قرَّر الرحيل بعيدًا عن العالم السفلي وواقع التسكع والتهريب والسجون الذي كان غارقًا فيه، ودخل المدرسة في مدينة العرائش، ثمّ تخرَّج بعد ذلك ليشتغل في سلك التعليم.
سنة (1966م) نُشِرَت قصته الأولى العنف على الشاطئ في مجلة الأداب اللبنانية. وبعد أن حصل شكري على التقاعد النسبي تفرَّغ تمامًا للكتابة الأدبية. وتوالت بعد ذالك كتاباته في الظهور. أشتغل محمد شكري في المجال الإذاعي من خلال برامج ثقافية كان يعدّها ويقدّمها في إذاعة طنجة، وخصوصًا في برنامجه الشهير "شكري يتحدَّث"، توفي في (15/ نوفمبر 2003)، تاركًا سيرته في ثلاثة أجزاء:
-الخبز الحافي (1972 م، ولم تنشر بالعربية حتى سنة 1982 م)
-الشطارزمن الأخطاء (1992م).
-وجوه.
وله من المؤلفات:
-مجنون الورد (1979 م)
-الخيمة (1985 م)
-السوق الداخلي (1985 م)
-مسرحية السعادة (1994 م)
-غواية الشحرور الأبيض (1998 م)
بالإضافة إلى مذكراته مع جان جنيه، بول بولز، وتينيسي وليامز.
ولم يتزوج مطلقًا وحين سُئل عن السبب، قال: " لكي أصبح أبًا عليّ أن أتزوج، وقد عزفت عن الزواج لأنّي أخشى أن أمارس على من ألد نفس التسلط والقهر اللذين مورسا عليّ. لهذا أنا أخشى أن يكون لي مولود.. فأنا لا أثق في نفسي".
تعرَّض شكري إلى أشكال متعدّدةٍ من الإساءة منذ رحيله؛ الرجل، الذي لم يكُن يتردّد في تقريع من يتمادى معه وصرفِه عن مجلسه، رغم ما عُرف عنه من دماثة، وظلَّ مثار جدل لدى الكثيرين حتى اللحظة حول ما قدَّمه رغم الشهرة التي وصلها وحاول البعض تسلُّقها،
يقول حسن العشاب في كتابه اليتيم "محمد شكري كما عرفتُه": "إنَّ "الإثارة" كانت "وسيلة لينال الكتاب إعجابَ القرّاء" وتحدَّث عن غياب الضوابط التي يجب أن تُفرَض على الكتابة، والتي يجب أن تحترم صاحبها وكذلك القارئ المهتم بالقراءة الأدبية الوطنية، ووصف الأسلوب بالإنشائي ودون المستوى المطلوب، بقوله: "تجعلك تتمعّن في مضمونها، فكأنك تشاهد أفلاماً للخلاعة"!
غرَّد شكري خارج السرب لكنَّه اليوم غريبٌ غربتين في مدينته وبلده وسط جوقة من الرواة والأدعياء، بين حياة تعيسة عاشها، ولعنة رافقته حتى قبره، هي "الخبز الحافي".