النجاح الإخباري - ندرك جميعًا أنَّ الموت هو الحالة التي تستولي على الجسد عندما يتوقف القلب عن النبض، والدورة الدموية عن التدفق، ولا يعود المرء قادرًا على التنفس، ويكف الدماغ عن العمل. وهذا ما يفصل بين الحالين: حينما يكون المرء على قيد الحياة، واللحظة التي تليها عندما يقضي نحبه.
أما فلسفيًّا، فإنَّ للموت تعريفًا آخر، إذ يعني النقطة التي لا نكون بعدها قادرين على العودة إلى الحياة. على أنَّ ذينك تعريفان كانا متماثلين حتى قبل خمسين عامًا تقريبًا، عندما برزت إلى الوجود عملية إنعاش القلب أو ما يُعرف بالتنفس الاصطناعي. وهناك شواهد اليوم على عودة الكثيرين إلى الحياة بعد أن توقفت قلوبهم واعتُبروا في عداد الموتى.
لقد شكَّلت أساليب الإنعاش تحولًا في إجراءات الرعاية في حالات الطوارئ، لكنَّها قضت على فهمنا لما يعنيه الموت. ولأنَّ الكثيرين لم يعودوا من الموت، فمن الطبيعي أن نفترض من وجهة نظر علمية، أنَّ وعينا يموت في الوقت نفسه الذي تتوفى فيه أبداننا.
وفي السنوات القليلة الماضية، وقف العلماء على أدلة متكررة مفادها أنَّ المرء عندما يموت فإنَّ خلايا الدماغ تستغرق أيامًا -وربما أطول من ذلك- لكي تصل إلى النقطة التي تبدأ فيها بالتحلُّل سريعًا حتى لا تكون قادرة على البقاء حيّة. هذا لا يعني أنَّ هذا الشخص ليس ميتا، بل هو كذلك، غير أنَّ خلايا دماغه قد لا تكون ميتة.
يقول مدير وحدة العناية المركزة والإنعاش بمركز لانغون الطبي التابع لجامعة نيويورك الدكتور سام بارنيا -لمجلة نيوزويك- إنَّ "المدهش في الأمر أنَّنا عندما نموت تبدأ الخلايا بداخلنا في التوجُّه شيئًا فشيئًا نحو عملية الموت".
ويضيف: "لا أقول إنَّ الدماغ أو أيَّ جزء لا يزال يعمل بمجرد أن يموت المرء، لكن الخلايا لا تنتقل على الفور من الحياة إلى الممات".
وكشفت الدراسات التي أجراها بارنيا أنَّ الأشخاص الذين نجوا من الموت الطبي من قبل يتحدثون عادة عن تجارب يتشاركون فيها جميعًا، تتلخَّص في مشاهدتهم أضواء برّاقة وشخصيات مرشدة خيِّرة، وإحساسهم بزوال آلام البدن والشعور بالسكينة والطمأنينة. ولما كانت تلك التجارب ذات طابع شخصي، فإنَّها ربما ترقى إلى الهذيان.
أما كيف يتسنى لأولئك الأشخاص وصف أحداث موضوعية وقعت أثناء "موتهم المؤقت"، فإنَّنا لسنا متيقنين تمامًا مثلما نحن لسنا متأكدين من الأسباب التي تجعل أجزاء معينة من أبداننا تبدو مقاومة للموت حتى لو كان الموت قد سرى إلى كل الأجزاء الأخرى.
على أن تلك الحال توحي على ما يبدو بأنَّ أدمغتنا وأبداننا عندما تموت فإنَّ وعينا قد لا يفارقنا بالضرورة، أو على الأقل ربما ليس في التو واللحظة.