منال الزعبي - النجاح الإخباري - الموسيقى، والكلمة، والقصيدة كلها مؤثرات تحلق بنا إلى عوالم الروح والتجلي إذا ما لامست شغاف القلب، كثيراً ما تشعر عند استماعك لأغنية ما بأنها تخاطبك أو تتحدث بلسان وجدانك إلى حبيب هجر أو حب فشل أو حتى حنين لأهل تفرقوا ووطن نأى.
بعض الأغنيات مات أصحابها منذ سنوات لكنها خلدت حضورهم وغدت محطة وقف فيها الزمان في صورة احساسهم ، كلمات خرجت من القلب لتصل الى قلوب وتسافر عبر أزمان وتطوف على أجيال، لكن ما نجهله هو قصصها الخفية
مثلا أغنية الأطلال ومطلعها:
يا فؤادي لا تسل اين الهوى .. كان صرحاً من خيالٍ فهوى
اسقني واشرب على أطلاله .. واروِ عني طالما الدمع روى
هي قصيدة كتبها ابراهيم ناجي حين كان عاشقا في صباه لكنه ترك حبيبته وسافر ليدرس الطب، عندما عاد بحث عنها ليجدها قد تزوجت، ما أثار وجده وحزنه على حب ضائع، الا أن القدر كان له بالمرصاد حين دق رجل بابه طالباً مساعدته لأن زوجته في حالة ولادة صعبة، لبى ناجي النداء كان يظنه نداء الواجب وإذ هو نداء الروح ! فتلك المرأة لم تكن سوى حبيبته، وكأن الله شاء أن يجمعهما ليطمئن قلبه المحب ولو في هذا الموقف الصعب، وما أصعبه من موقف!
ولما شعشع صوت أم كلثوم وصدح في حارات مصر ونواحيها، عرض عليها ناجي قصيدته تلك لكن اندلاع ثورة يوليو حال دون ذلك ومات ناجي لتغنيها أم كلثوم بعد ثلاثة عشر عاماً من وفاته، لحّن السنباطي القصيدة وحان تدريب أم كلثوم عليها فوقع خلاف بينهما حول المقطع الأخير وهو "لا تقل شئنا، فإن الحظ شاء" ،أرادت ام كلثوم أن تغيّر القفلة، في هذا المقطع من العالية إلى القفلة الهادئة، لكن السنباطي رفض وغادر المكان، لتنطوي صفحة قصيدة الوداع اربع سنوات ، وبعد جهود من الأصدقاء اقتنعت أم كلثوم واعتلت المسرح واطلقت صرخات ناجي المكبوتة وخرجت الأطلال الى النور وكان ذلك عام (1966) حتى اذا ما وصلت المقطع الأخير "سبب الإختلاف"، اشتعل المسرح بالتصفيق المدوي والمتواصل وبكت أم كلثوم ندما على سجنها للقصيدة اربع سنوات!
"وحدن بيبقوا"
من منا لم يبدأ صباحه فيروزيا فتطرق سمعه أغنية "وحدن"؟
هذه الكلمات الرقيقة كتبها الشاعر اللبناني "طلال حيدر" والذي إعتاد أن يشرب قهوته الصباحية في شرفة منزله المطل على غابة فيمر عنه ثلاثة شبان بنفس الوقت من كل يوم يلقون السلام ويمضون حتى تبتلع الغابة خطواتهم وهو يتتبعهم بنظراته المتسائلة، وفي يوم أطل الصباح ولم يطلوا، وفي صبيحة اليوم التالي اطلوا عليه خبرا في جريدة، ليكتشف أن الشباب الثلاثة هم فلسطينيون قاموا بعملية فدائية ضد الإحتلال الإسرائيلي، فيرسمهم في قلمه وينثر ذكراهم زهور بيلسان عبر صوت فيروز، يناديهم "يا ناطرين التل ما عاد بدكم ترجعوا"
أما نزار قباني الذي لم يكتف بشرب القهوة بل جعل كلماته ترسم قارئة الفنجان، تطالع فنجان عبد الحليم حافظ وتحكم على حبه لسعاد حسني.
التقى نزار قباني وسعاد حسني في لندن بعد أن استقال من العمل الدبلوماسي في سوريا عام 1966 ، وقرر التفرغ للأدب والشعر، هناك تحدثت معه عن علاقتها بـ«عبدالحليم حافظ» وتهديد صفوت الشريف لها في حال أقبلت على الزواج منه، نزار سفير الحب ونصير المرأة قرر أن يكتب قصيدة يخلد بها هذا الحب المحكوم عليه بالإعدام مسبقاً، فكانت قصيدة "قارئة الفنجان".