كتب غازي مرتجى - النجاح الإخباري - تدور في الخفاء حربًا من نوع آخر تتعلّق بمدى السيطرة الفعلية على الأرض في سوريا، إسرائيل التي لم تغب عن المشهد السوري منذ بدء الأحداث في أقدم مدينة في العالم كثفّت مؤخرًا تدخلها العسكري الذي تستفز من خلاله قوات حزب الله من جهة والنظام السوري من جهة أخرى. نتنياهو الذي أعلن الجولان أرضًا إسرائيلية يُريد أن يحصل على قطعة من الكعكة. زيارة وزير الدفاع الروسي لـ"تل أبيب" منتصف الشهر لم تكن عابرة، وهي تتويج لحملات نتنياهو الاستفزازية التي وصلت حد ضرب أماكن حساسة للنظام السوري المدعوم روسيًا. الولايات المتحدة من جهتها فقدت العديد من الأوراق في سوريا وأوكلت المهمة لتحالفها الذي قلّص أهدافه لتصل إلى حد الحفاظ على المصالح الذاتية دون زيادة وتركيا مثال على ذلك. نظام الأسد الذي تمكّن من خلط معادلات الاقليم بحصانة سورية إيرانية سيشهد الانتصار على "داعش" قريبًا .
السيطرة على الاراضي السورية لن تكون عنوان السلام للنظام السوري، بل سيبدأ العالم بالتفكير كيف سيتخلّص منه. والمؤكد أنه بعد ما حلّ بسوريا من دمار فإن بقاء الأسد سيكون من سابع المستحيلات وتنحيه سيغدو مطلبًا من الحليف قبل الغريم.
ليس بعيدًا عن ذلك التحالف الايراني الجديد مع حماس ومحاولات الأخيرة إعادة المياه لمجاري العلاقة مع سوريا. فإسرائيل التي تهدد يوميًا بالعمل على وقف تمدد حزب الله وتُحلل وسائل الاعلام العبرية إمكانيات الانقضاض على الحزب واستغلال ضعفه الحالي بسبب مشاركته القتال في سوريا – لن تكون سعيدة بانتهاء الحرب في سوريا وبالطبع ستُجّن من التحالف الحمساوي الايراني الجديد . هذا التقارب بما يحمله من مخاطر كبيرة في العلاقات الحمساوية الأخيرة ومُجريات المصالحة الداخلية إلا أنه بالنسبة لإيران أبعد من دمشق وأقرب من بيروت!
داخل حركة حماس تيارات مختلفة التوجهات كلها تصب في محاولات حفظ التنظيم من محاولات "تهشيمه" التي باتت جاهزة، والذهاب للمصالحة كان الخيار الأقرب للمنطق والعقل واستغلّت حماس ذلك بحكمة وواقعية . التوجّه نحو الداخل للتخلص من أعباء السلطة لم يمنع حماس من إعادة ما كانت عليه قبل دخولها معترك الحُكم . الثمن المطلوب من إيران ليس سهلًا ومن المستبعد أن تقبل به حماس .. إلا لو ؟ لو انهارت عملية المصالحة فسيكون موقف حماس أقرب لإيران والأخيرة تريد خلط أوراق الاقليم قبل الضربة القاضية .لكن الثمن سيكون كبيرًا لا يتحمله المواطن ولن تتحمله حماس أيضًا. أما عند حزب الله الذي يمتّص الضرب الاسرائيلي والاستفزاز المتكرر منذ تموز 2006 فحتى بداية العام القادم سيكون في عين العاصفة ما لم تقف روسيا بقوتها المُضادة وتمنع التطور المتوقع ولا أتوقع ذلك!
لم يكن ما ورد أعلاه بعيدًا عن التصريحات المُلفتة للنظر والخطيرة في ذات الوقت التي ألقها رئيس وزراء قطر السابق وزير خارجيتها الأسبق حمد بن جاسم عندما تحدث عن طريقة إدخال السلاح ودعم "جبهة النصرة" من خلال الأراضي التُركية . "قطر" التي تعمل على عكس مواقفها لاستفزاز الدُول الأربع التي تريد عقابها لن تكون بعيدة عن تقسيم كعكة سوريا، حتى لو ابتعدت قليلًا فستعمل على حصار مُحاصريها بكشف المزيد من المعلومات الحساسة والخطيرة . تصريحات العائد -بن حمد- لن تنتهي سريعًا بل ربما تُحدد مصير المرحلة القادمة بعد تقاربها الكبير مع إيران .
**في تصريحات بن حمد أيضًا فإنه يرمي العرب بما قامت به دولته بما يخص التطبيع مع إسرائيل ورغم أنّ حديثه "حقيقي" إلا أنّ الدولة العربية الأولى في التطبيع كانت دولته ولم تقتصر على تمثيل رسمي كما مصر والأردن بل وصلت حد تغيير ثقافات ومُسلمّات عربية لدى الرأي العام بفتح استديوهات الجزيرة لاستضافة شخصيات احتلالية بحجة الرأي الآخر . حديث "العائد" عن التطبيع مع اسرائيل يذهب بنا إلى سيرة قطر الأولى بتطبيعها المستمر حتى تاريخه بصورة أكثر وضوحًا وقذارة!
يذهب بنا ذلك إلى رفض القيادة الفلسطينية أن تقوم أي دولة عربية بالتطبيع مع الاحتلال دون قبول الأخيرة بمبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبدالله ملك المملكة العربية السعودية الراحل والتي توافق عليها العرب وتعيد القيادة الفلسطينية التذكير بها دومًا (تصريحات رئيس الوزراء رامي الحمدلله قبل أيام) ولم تبتعد المملكة العربية السعودية عن ذلك بل طالبت علانية عبر ممثلها محمد خشعان إسرائيل للانسحاب الفوري من الجولان السوري المُحتل والالتزام بمبادرة السلام العربية. الجولان الذي أقام نتنياهو جلسة حكومته فيها قبل عام ونصف في ظل انشغال باقي العرب في حروب داخلية وخلافات ثانوية .
الفترة القامة ستشهد إعادة بث الروح للمبادرة العربية للسلام مع إمكانية التفاوض حول بعض البنود للوصول لحلول وسط.
***في التاريخ الحديث عندما اعتذرت إيطاليا عن استعمارها ليبيا دفعت مقابل ذلك تعويضات لم تكن بحجم الجريمة صحيح لكنها اضطرت لذلك وفق ما يقتضيه القانون الدولي. أما فرنسا فترفض حتى الان الاعتذار للجزائر عن استعمارها لأنها تعلّمت من درس اعترافها بمرور نابليون للأراضي السويسرية وأكله لـ"ماشيتها" دون احتلال فدفعت التعويضات لجارتها السويسرية. فرنسا برّرت عدم اعتذارها بوقاحة فقالت أنّ استعمار الجزائر إضافة حضارية للبلد ورغم ذلك نسمع أصواتًا فرنسية تُطالب بالاعتذار وإن لم يكن علنيًا فعبر تخصيص استثمارات كبيرة وعلاقات استثنائية بين البلدين. حتى أنه في عهد الرئيس الفرنسي السابق "ساركوزي" شارك في حفل إحياء انتهاء الحرب في الجزائر دون أن يعتذر رسميًا . على المستوى الفلسطيني فإنّ الاعتذار المطلوب من بريطانيًا ليس كلمة " Sorry " فقط كما يُحاول بعض المتفذلكين الانتقاص من تصريحات الرئيس بل هي بداية لاعتراف بخطأ تاريخي يسمح للأجيال القادمة بمُطالبة بريطانيا تفكيك ما بنته بوعد آرثر بلفور وليس تعويضًا فحسب.
"Sorry " التي يسعى الرئيس أبو مازن للضغط على المملكة المتحدة لنطقها ستؤسس لمرحلة من العمل الأخلاقي مع العالم وسيحشر إسرائيل في زاوية عدم الشرعية الكاملة وليس فقط أنها تحتل مناطق 67.
"Sorry " ستُعطي للقيادة الفلسطينية مجالًا لحل قضية اللاجئين بإعادتهم وتعويضهم وإن نُطقت رسميًا فسيكون تنفيذ ذلك من واجبات المملكة المتحدة كون الاعتذار يعني الاعتراف بالخطأ التاريخي .
"Sorry" تعني أن تدفع بريطانيا ثمن جريمتها منذ عام 1917 حتى تاريخ النطق بها.
"Sorry" تعني أنّ ما ترتّب على الوعد "خطأ" أي أن دولة الاحتلال كلها خطأ تاريخي ولتصحيح الخطأ يجب إنهاء ما ترتب عليه.
"Sorry" بأحرفها الخمسة لو نُطقت فإن فلسطين التاريخية يجب أن تعود مكوناتها الجغرافية والديموغرافية إلى 1 نوفمبر 1917.
القيمة القانونية، الديبلوماسية والأخلاقية من هذا الطلب بعيدة المدى. أما وقاحة تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا فما هي سوى "وعد" تاريخي جديد لا بُدّ لجيل فلسطيني قادم أن يضطر المملكة للاعتذار مرتين.