شبكة النجاح الإعلامية - منال الزعبي - النجاح الإخباري - لا تزال رائحة الدمار والحرق تفوح من أزقة مخيم جنين، بعد أيام من العدوان الإسرائيلي الذي استهدف المخيم بالصواريخ والجرافات والكلاب الشرسة، وأودى بحياة 13 شهيدًا، وخلّف أكثر من 100 إصابة.
لا أصعب من الفقد
يعيش الفلسطيني ويموت وأقصى طموحه طفل ينجبه وبيت يبنيه، إلا أنَّ الاحتلال المتشبّع بفكرة الموت والمدجج بأسلحة القتل يسلب كلَّ ذي حلم حلمه.
بصوته المخنوق بالعبرات قال ابن مخيم جنين، رياض الحج صالح الشاهد على جرم الاحتلال المتصاعد، ليس آخره في مخيم جنين : "كنا قاعدين، سمعنا صوت الإنذار، وأول ما نزلن الصواريخ على نقطة في المخيم أنا طلعت لبرا وكانت الدخنة طالعة في المخيم تحت، وقتها فهمت انه في اقتحام للمخيم"، بدون تفكير خرج من بيته هائمًا على وجهه هاربًا من صواريخ صمّاء لا أحد يعرف من ستختار.
وأكمل حديثه: "ظلّت أخواتي في الطابق الأرضي، رجوعي كان صعب، وما عرفت أتواصل معهن أو أفهم شو صار، ثاني يوم عرفت من الشباب إنه الاحتلال قصف الدار، كان أهم شيء عندي أشوف أخواتي بخير وأتطمن عليهن"، هكذا يروي رياض الحج صالح ما حصل ليلة العدوان.
وبعد ساعات من الرعب والترويع، قررت قوات الاحتلال هدم منزل رياض بالجرافات، دون أن تسمح لأهله بإخراج مقتنياتهم أو ذكرياتهم. وبذلك فقد رياض مسكنه كما فقد ابنه الشهيد فداءً للوطن.
وعن وصفه ما حصل معه قال: "المنزل كان كل شيء بالنسبة لي، كان فيه ذكرى ابني الشهيد وصوره وأغراضه، كان فيه تاريخ عائلتي وجيراني، كان فيه حلم بالعودة إلى قريتنا المحتلة.
وتابع نافضًا يديه من الحياة : "لا أعرف إلى أين أذهب الآن، لا أملك شيئًا سوى ملابسي التي أرتديها، لقد سرقوا مني كل شيء".
رغم هذه المصيبة، فإنَّ رياض لم يفقد إيمانه بالله وثقته بالشعب الفلسطيني، فقال: "أثق بأن الله سيرزقنا خيرًا من هذا المنزل، وأثق بأن شعبنا سيرفع رأسنا وسيرد لنا حقوقنا".
يكمل: "طبعا عشنا حالة صعبة، دخل الجنود ع الطابق الأرضي اللي فيه خواتي ومعهم الكلاب البوليسة، كلب عض يد أختي وكانوا رح يقطعولها إيدها حتى يتركها الكلب، فكلب اليهود حياته أهم من حياة البني آدم بالنسبة للمحتل الغاشم"، يضيف رياض بحزن وغضب.
مخيم جنين… أطلال ودماء وذكريات
رياض ليس وحده من عانى من العدوان الإسرائيلي، فالمخيم كله تحول إلى ساحة حرب، حيث شارك نحو ألف جندي وعشرات الآليات المدرعة والمروحيات العسكرية في الهجوم، الذي استهدف ما يصفه الاحتلال بالبنية التحتية الإرهابية.
سكان مخيم جنين تصدوا للمحتل وترسانته ولم يستسلموا، حيث شارك شبان المخيم في المواجهات والاشتباكات المسلحة مع جنود الاحتلال، وأسقطوا عدة طائرات مسيرة تابعة للجيش، وأشعلوا الإطارات المطاطية في الشوارع لإعاقة رؤية القناصة.
أحداث كانت عزاءً للفاقدين مثل رياض الذي قال: "في مخيم جنين بنفتخر في كل شبل وطفل فلسطيني وشهداءنا فداء للوطن"
ووصف هول ما حصل من تنكيل ودمار وهمجية مارستها قوات الاحتلال التي تكالبت على مساحة جغرافية صغيرة مكتظة بالمواطنين العزّل قائلًا: “الشاشات لا تنقل جزء من الحقيقة ما نحياه من نهب وضرب وقتل واعتقالات وجرائم كلها بين زوايا هذه الجدران.
وأضاف: "العالم لا يعرف بعد مدينة جنين ومخيم جنين وما يعانيه أهل المخيم، مأساتنا ليست الاحتلال فقط بل نعاني الخذلان وتخاذل الشعوب العربية".
وأشاد رياض بالتضامن الذي تلقاه من أهالي المخيم والمدينة والمؤسسات الإغاثية، فقال: "شعرت بأنني لست وحدي في هذه المحنة، فكثير من الناس جاءوا لزيارتنا وتقديم المساعدة والدعم المعنوي".
وأكد رياض على تمسكه بحق العودة إلى قريته التي هجر منها أجداده عام 1948، فقال: "لا نستسلم للاحتلال، وستبقى إسرائيل هي عدونا الأول والأخير، ولا سلام مع من يقتل أولادنا ويهدم بيوتنا وينهب أرضنا. لن نتخلى عن حقنا في العودة إلى قرانا وديارنا".
وختم رياض حديثه بالقول: “أشكر كل من ساندنا ووقف معنا في هذه المحنة، وأقول لهم: لا تخذلوا دماء شهدائنا، فهم ضحوا بأرواحهم من أجل فلسطين”.
رياض وأمثاله ممن عانوا في هذه الأزمة وغيرها الكثير يدعون الشعب الفلسطيني إلى التماسك والوحدة والمقاومة بكل الوسائل المتاحة، فهذه هي الطريقة الوحيدة لإنهاء الاحتلال وإقامة دولتنا المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس”.
"بالروح بالدم نفديك يا وطن"، شعار يردده الفلسطينيون وأبناء المخيمات في كل مظاهرة أو احتجاج أو مسيرة. هذا هو صوتهم الذي لا يخاف القصف أو الرصاص. هذا هو حلمهم الذي لا يموت.