أمل صدقة - النجاح الإخباري - دير قديس، جامعة بيرزيت، مؤسسة مجموعة الإتصالات الفلسطينية للتنمية ثلاث متفرفات في الغايات إلاّ أنهن في نظر مسؤول وحدة العمليات التشغيلية والمالية في المؤسسة ذاتها بشار ناصر مجتمعات تحت سقف واحد من الإنسانية التي تحترم كينونة ووجود الإنسان مهما كان، وتشد بعضده نحو التميز الذي يبدد المخاوف ويزيل العقبات من طريق النجاح المكرس بأسمى صور الحب والإخاء.
دير قديس من البيئة الطاردة إلى الحاضنة
استهل ناصر بداية حديثه لبرنامج ذوو الهمم لذي يبث عبر فضائية النجاح عن قصته مع مرض هشاشة العظام الذي تسبب له بإعاقة حركية جعلت من الكرسي المتحرك ظلٍ له يرافقه أينما حل، وعليه كانت المعطيات المتوفرة في مكان إقامته حينها تشير إلى محدودية اندفاع ناصر نحو الحياة؛ نتيجةً لافتقار منزل أسرته لبنيةٍ تحتية تتلائم واحتياجات ذوي الإعاقة من جهة، واقتصار التعليم في القرية على المراحل الأساسية الدنيا، غير أن ناصر قلب المؤشرات تلك، وحولها بمساعدة أسرته ومعارفه من سلبية إلى إيجابية تصب في صالحه أولاُ وصالح أبناء القرية ثانياً، من خلال انتقاله وأسرته للعيش في منزل آخر أكثر ملائمة لإعاقته الحركية، عدا عن جهده الدؤوب مع أصحاب الاختصاص للضغط على سلطة الإحتلال؛ من أجل السماح لهم بفتح مزيداُ من الغرف المدرسية داخل مدرسة القرية، التي كانت تتبع للادراة المدنية لسلطة الإحتلال، ليحقق ناصر بذلك أول إنجاز بحياته والمتمثل بإنشاء غرف صفية للمرحلة الإعدادية، ليتسع بعدها فضاء أحلامه، وشغفه بالعلم، فما كان منه إلاّ أن بادر مع أقرانه لإطلاق حملة لجمع تبرعات مادية لتخصيص مساحة كافية لصفوف المرحلة الثانوية داخل أسوار قرية دير قديس. وهنا يُذكر أن جهود الحملة كانت مثمرة بتأسيس صفوف للمرحلة الثانوية استطاع ناصر بفضلها أن يكمل مشواره التعليمي بأقل الصعوبات الممكنة، ويكون من أوائل الطلبة الذين ارتدوا ثوب تخرجهم من الثانوية العامة من على مقاعد مدرسة دير قديس الثانوية.
مخاوفٌ تتبدد وأخرى تتشكل
قال ناصر إِنَّ تزامن دراسته الجامعية في جامعة بيرزيت مع بداية الإنتفاضة الفلسطينية الثانية شكل له مخاوف تتمثل في عدم قدرته على إكمال مشواره التعليمي في مجال المحاسبة؛ كون الإنتفاضة الثانية كانت متسمة بكثر الإغلاقات والحواجز العسكرية، التي تزيد من صعوبة تنقل ذوي الإعاقة الحركية، لاسيما أن وصوله للجامعة في بداية الأمر كان يتطلب منه التنقل بين المواصلات أكثر من مرة، ولكن سرعان ما بدد ذلك الخوف بانتقاله للسكن في بلدة بيرزيت حيث الجامعة والحُلمُ المنتظر.
وقال ناصر إن هذا الخوف لم يكن الوحيد، فكان هناك خوف آخر يرتابه، ألا وهو : آلية التأقلم مع متطلبات الحياة داخل أسورة الجامعة، التي تستلزم مجهود حركي لا يتناغم وقدراته الجسدية، غير أن هذا الخوف لم يستمر طويلاً؛ نتيجة لطبيعة البيئية الجامعية التي حولت واقع تعليم ذوي الإعاقة من طارد إلى حاضن من خلال مواءمة المرافق العامة، وتقديم تسهيلات تساعد في التنقل والوصول بأقل وقت وجهد ممكن.
ومع كل تلك الانتصارات وتبديد المخاوف التي أهلته لأن يشغل منصب " مسؤول وحدة العلميات التشغيلية والمالية" في مؤسسة مجموعة الاتصالات الفلسطينية للتنمية، إلاّ أن ناصر بصفته يعتبر جزء من شريحةً مهمة باتت تحتل ما نسبته 7% من المجتمع الفلسطيني عبر عن مخاوفه من المستقبل الغامض للأشخاص ذوي الإعاقة فعلى حد قوله 90% من ذوي الإعاقة يعانون من البطالة.
وما يثير القلق أكثر بأن الأفق ، لن يلمس حتى اللحظة رؤية واضحة لتقليص حجم المشكلة، بل على العكس من المتوقع أن يتنامى حجم المشكلة في ظل القوانين الإضافية المضعفة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة " اللوائح الإضافية، والتفسيرات التي أُضيفت قللت من هيبة القانون، وأضعفته، وكانت ضِد الأشخاص ذوي الإعاقة.".
تناقضات تثير التساؤلات
عقّب ناصر خلال حديثه عن واقع ذوي الإعاقة في المجتمع الفلسطيني قائلاً" حصر حقوق ذوي الإعاقة في قطاع أو مجال محدد يتعارض مع فكرة الدمج المجتمعي" وهذا ما يلمسه الشخص ذوي الإعاقة عند مطالبته بحقوقه من ناحية العمل والتشغيل، في شركات القطاع الخاص بحجة أن القانون يحمي حقوق ذوي الإعاقة من الناحية التشغلية في القطاع الحكومي وشركات القطاع الخاص غيرُ ملزمةٍ بذلك، ليبقى السؤال الأهم هنا: أبُعدُ المسافة الحقوقية بين القطاع الخاص والحكومي للأشخاص ذوي الإعاقة يوصلنا إلى مفهوم الدمج المجتمعي الذي نتغنى به بالقوانين واللوائح التنفيذية؟
وفي السياق ذاته أشار ناصر إلى أن الوظائف الهامشية التي تمنح لذوي الإعاقة تتناقض ومفهوم المسؤولية المجتمعية التي أصحبت سياسة عمل تتبناها الكثير من الشركات والمؤسسات على إختلاف نوعها، فعن أي مسؤولية اجتماعية نتحدث، وهي تحرك الفئة المستهدفة من تهميش إلى تهميش آخر، يتحايل على قدرات الإنسان، ويغيب طاقاته الإبداعية، بدلاً من استثمارها ووضعها في المكان المناسب؟!
واستطرد قائلاً" نحن في المجتمع الفلسطيني مشكلتنا تتمثل في قانون ضعيف خالٍ من المخالب" فإن أكثر ما يثير التساؤل في الواقع الفلسطيني، هو غياب البيئة الحاضنة لذوي الإعاقة، في بعض المؤسسات والجمعيات العاملة بالمجال ذاته، فأين القانون من المؤسسات والجمعيات تلك؟ وما يثير الجدل أكثر أن معظمها يشارك في صياغة قوانين المواءمة وبعد ذلك تجدُ أفعالها تناقض قرارتها! ليكون السؤال هُنا ما الفائدة المرجوة من المؤسسات والقوانين التي بات وجودها لا يُسمن ولا يغني من جوع؟!
وختاماً عَبر ناصر عن آماله بالارتقاء بواقع الأشخاص ذوي الإعاقة داخل المجتمع الفلسطيني من خلال الإسراع بتطبيق قانون ذوي الإعاقة على أرض الواقع، ليكون قانوناً ذا مخالب قادرة على تحويل الثقافة السائدة عن ذوي الإعاقة من عبءٍ إلى استثمارٍ مجتمعي.