النجاح الإخباري - في غزة الصامدة أمام القصف والمجازر للشهر الخامس على التوالي، تتجلى معاناة الإنسان في أشد صورها، ويبرز نضال الفلسطينيين من أجل الحصول على أبسط مقومات الحياة، فلا طعام في غزة ولا ماء يسد رمق الجوعى والعطشى بل صار موتًا آخر يتربص بحياتهم.
وفي حين يحتفل العالم باليوم العالمي للمياه يُحرم 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة من الحصول على الماء.
قصص مؤلمة
لا حياة بلا ماء، إلا أن الاحتلال يريد الموت بكل صوره لأهل غزة الصامدين في أرضهم والصابرين على أوجاعهم، أحمد كميل، الرجل الأربعيني يواجه الخطر يوميًا، ليس فقط من أجل البقاء، بل من أجل توفير الماء لعائلته. في عالم يسعى فيه الكثيرون للترفيه والرفاهية، يكافح أحمد وأمثاله في غزة للحصول على حقهم في الماء، متحدين الحصار والنزاعات والنقص الحاد في الموارد.
تنقل ونزوح محفوف بالمخاطر
يوم الجمعة الماضي، احتفل العالم باليوم العالمي للمياه، بينما صراع من نوع آخر يدور في خان يونس بجنوب قطاع غزة. كان أحمد كميل، يعيد تثبيت عريشته الصغيرة على شاطئ البحر، محاولًا جعلها أكثر متانة لتحمل هبوب الرياح. لقد انتقل بعريشته من منطقة المواصي إلى الشاطئ مباشرة، بحثًا عن مصدر مياه لغسيل الملابس والأواني والتنظيف، بعد أن عجز عن توفيرها في مكان نزوحه السابق.
أحمد، الذي نزح مع عائلته المكونة من ثمانية أفراد من مدينة غزة، يدرك خطورة قراره بالانتقال إلى هذا المكان، وهو يعلم أنه سيكون مواجهًا لبحرية الجيش الإسرائيلي التي لا تتوانى عن إطلاق الرصاص والقذائف على النازحين بشكل مفاجئ. ومع ذلك، فإن الحاجة الماسة للماء دفعته لتحمل هذا الخطر.
يقول أحمد لـ "awp": "البحث عن المياه يوميًا كان مرهقًا للغاية، خاصةً أنه لم يكن هناك مصدر مياه دائم في منطقة نزوحنا السابقة، وكنا نضطر لنقلها بالجالونات لمسافات طويلة."
وأضاف: "توفير مياه الشرب كان يمثل تحديًا أكبر، حيث كانت معظم مناطق النزوح عبارة عن كثبان رملية بلا شبكات مياه تقليدية أو مقومات حياة قبل الحرب."
وفي حين رفض والداه انتقاله للشاطئ خشية تعرض العريشة للقصف، أصر أحمد على هذا الخيار ليتخلص من مشكلة توفير المياه، حتى لو كانت مالحة. يقول: "مياه البحر مالحة، لكنها متوفرة بشكل مستمر ولا تحتاج لأي جهد، وهذا أفضل من افتقاد المياه لأيام متتالية."
ويتابع: "لا أعلم إذا كان استخدام مياه البحر له أضرار صحية، لكنها تبقى متاحة ونحن بحاجة إليها."
أحمد يتحدث وهو يشير إلى ابنيه أمير وشمس وهما يحملان جالونات المياه عبر الشاطئ، وزوجته التي يمكنها استخدام مياه البحر مباشرة دون نقلها، لأن العريشة منصوبة على الشاطئ.
ثمن الماء موت أو إصابات
في مناطق نزوح الفلسطينيين، تشهد الطوابير الطويلة أمام صهاريج المياه المشهد اليومي. ينتظر النازحون دورهم لملء جالوناتهم من المياه التي توفرها سلطة المياه الفلسطينية ومصلحة مياه بلديات الساحل ومؤسسات إنسانية متعددة.
عماد العقاد، الشاب البالغ من العمر 28 عامًا، النازح من وسط خان يونس قبل ثلاثة أشهر ونصف الشهر يقول:
"الحصول على المياه قد يساوي الإصابة أو الموت لأن مصادرها إما قريبة من الجيش الإسرائيلي أو بحاجة للمرور على مقربة منه للوصول إليها، لكن لا بديل عن القيام بهذه المخاطر وإلا لن نجد مياها للشرب".
يغامر أحمد بحياته يوميًا ليوفر ألف لتر من مياه الشرب لنحو 35 عائلة من أشقائه وشقيقاته وأقاربه النازحين. يتنقل عبر عربة يجرها حصان، متجاوزًا الطرق الوعرة والأراضي الزراعية، وسط خوف من القذائف والرصاص العشوائي الذي نجا منه بأعجوبة أكثر من مرة.
يقول عماد: "الماء هو الحياة، والحياة تستحق الكفاح. في كل رحلة، أتحدى الموت لأجلب الأمل والماء لعائلتي وللغد."
يتنقل عماد عبر عربة يجرها حصان ويضع عليها برميل المياه ويسلك طرقا ترابية وعرة وأراض زراعية وسط أجواء من الخوف الذي تسيطر عليه وهو يشاهد قذائف مدفعية الجيش الإسرائيلي تنهال على المنطقة التي يجتازها باستمرار، فضلا عن الرصاص العشوائي الذي نجا منه بأعجوبة أكثر من مرة.
يتحدث الشاب أنه كاد أن يقفد حياته عندما فوجئ بالرصاص ينهال على الشارع الذي يجتازه على بعد نحو كيلومتر من مكان تمركز الدبابات، وأنه اضطر إلى الانبطاح أرضا لساعتين قبل عودة الهدوء للمكان وتمكنه من الانتقال بعربته سريعا.
ويؤكد أن غيره من ناقلي المياه إلى خيامهم أصيبوا أمام عينيه. وعلى الرغم من المخاطر المحدقة بحياته خلال رحلة حصوله على المياه واضطراره للانتظار ساعات قبل تعبئة برميله من محطة التحلية، يعتبر عماد نفسه أكثر حظا من معظم النازحين كونه يمتلك عربة وحصانا لنقل المياه، بينما كثيرون يضطرون لتعبئة جالونات صغيرة وجرها يدويا.
وأعلنت الصحة في قطاع غزة أمس السبت أن عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول ارتفع إلى 32142 قتيلا، في حين ارتفع عدد المصابين إلى 74412 ألفا.