النجاح الإخباري - يتناول النازحون في منطقة المواصي بخان يونس في قطاع غزة وجبتي الإفطار والسحور في شهر رمضان على وقع القصف الإسرائيلي الذي لا يتوقف، وهم يعيشون أياما مليئة بالرعب خلال شهر الصوم الذين كانوا يأملون أن يكون بداية لنهاية مؤقتة للحرب والموت.
لكن الواقع كان مختلفا، وظل النازحون في مناطق المواصي بامتدادها من جنوب خان يونس إلى شمالها على ساحل البحر المتوسط يواجهون مخاطر الموت أو الإصابة، فضلا عن اضطرارهم للنزوح أكثر من مرة من مكان إلى آخر داخل هذه المناطق وخارجها بحثا عن نجاة مأمولة من القصف المباغت والعشوائي أحيانا.
ومع الأيام الأول لشهر رمضان، زادت وتيرة القصف الإسرائيلي لأطراف المواصي الشرقية الملاصقة لمدينة حمد في شمال غرب خان يونس، التي ما زالت تتعرض لعملية عسكرية ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد من النازحين داخل خيامهم وفرار غيرهم بعد اشتداد القصف.
عائلة عيسى أبو أحمد (51 عاما) نجحت بالكاد في الفرار من خيمتها عندما فوجئت بالدبابات الإسرائيلية تتقدم نحو المكان الذين استقروا فيه قبل الإفطار، تاركة خلفها كل أمتعتها، لتعود بعد يومين وتفكك الخيمة وتنقل ما تبقى من مستلزماتها إلى مكان أبعد عن القصف وأقرب إلى شاطئ البحر.
يوضح عيسى، الذي نزح مع عائلته المكونة من تسعة أفراد من وسط خان يونس مطلع ديسمبر كانون الأول الماضي، أنه تنقل للمرة الثالثة داخل المواصي فرارا من القصف على الرغم من أنها مصنفة من المناطق الآمنة التي يوجه جيش الاحتلال النازحين إليها، مشيرا إلى أن الرصاص كان يتطاير حولهم "ولولا رعاية الله" لفقد روحه وبعض أبنائه.
وقال عيسى لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "نجت عائلتي من الموت أكثر من مرة لكن غيرنا استشهد بشظايا القذائف المدفعية أو بالرصاص العشوائي لجيش الاحتلال، ولا نعلم هل سيكون مصيرنا الموت كما غيرنا أم يكتب الله عز وجل لنا النجاة مجددا؟".
وأضاف "لحظة الإفطار والسحور نضع أيادينا على قلوبنا لأن القصف مرعب ومشاهدة غبار القذائف أمام عينيك شيء يفقدك القدرة على التحدث ناهيك عن تناول الطعام، هي لحظات مميتة ومرعبة لدرجة لا يتخيلها أحد".
وكان وضع سفيان يوسف (49 عاما) أكثر صعوبة عندما باغته رصاص جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وهو جالس داخل خيمته، لتصيبه في الكبد والبنكرياس ويتم نقله إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح.
يؤكد شقيقه عمر (46 عاما) أنهم فوجئوا بالرصاص ينهال على خيمتهم وأصاب شقيقه في البطن وبدأ يفقد وعيه، حتى نقل إلى المستشفى وأجريت له جراحة وما زال بحاجة لعمليات جراحية أخرى، لكن انهيار المنظومة الصحية الفلسطينية يهدد حياته في أي لحظة.
يصف عمر، الأب لثلاثة أطفال، شهر رمضان في المواصي بأنه "موسم من القصف الإسرائيلي الذي يلاحقنا في كل الأوقات، لكن الأكثر مأساوية هو القصف الذي يشتد لحظات الإفطار والسحور التي تتجمع فيها العائلة لتطفئ صيامها بقليل من الطعام والماء".
وقال "تخيل أن عائلتك تستعد للإفطار وفجأة يحدث القصف بمحيطك أو لديك مباشرة، هي لحظات قاسية وصعبة نكون فيها حيارى، هل نفر من المكان أم نهدأ قليلا لتفطر العائلة وقد يكون هناك مخاطرة بأروحها كما حدث مع آخرين؟".
وأضاف "كل الخيارات مرعبة أمام العائلات النازحة في لحظات القصف، الاحتلال يحول شهر رمضان في المواصي إلى أوقات عصيبة للغاية والكل يخشى فيها إن أفطر ألا يتسحر بذات المكان".
وفي شمال منطقة المواصي، تعود مها عبد الغفور (42 عاما) يوميا لتقلب بقايا خيام أقاربها الذين قضوا نحبهم في قصف مدفعي إسرائيلي استهدف خيام النازحين، فتشعر بهول الصدمة عندما تشاهد الدماء التي تلون أمتعتهم الممزقة وبقايا أشلائهم المتناثرة الملتصقة بألواح الخشب والأعمدة الحديدية.
تجلس فاطمة وسط المكان الذي شهد مقتل 15 فلسطينيا من عائلة عبد الغفور الذين نزحوا برفقتهم قبل عدة أيام في قصف إسرائيلي متتالي استهدفهم مباشرة قبل الفجر وهم يحاولون إنقاذ بعضهم أو الفرار من القصف.
تعتبر فاطمة أن الواقع يؤكد عدم وجود أي منطقة آمنة "فالضحايا يتساقطون داخل المواصي التي تتعرض الأماكن داخلها وفي محيطها للقصف بأي وقت، لكن الأصعب خلال شهر رمضان أن النازحين في حالة صيام ويضطرون للفرار لحظات الإفطار أو السحور".
ومضت قائلة "هنا، الإفطار والسحور مغمس إما بالخوف والرعب في أفضل الأحوال، وإما بالموت ودماء الأبرياء، فأي رمضان نعيش في المواصي؟".