النجاح الإخباري - يحاول من هم في خيام النازحين بجنوب قطاع غزة بناء جسر من الأمل فوق نهر اليأس، يتمسكون بخيوط رمضانية تلملم جراحهم وتُلطّف - ولو مؤقتا - جانبا من أجواء الحرب التي تخيم على القطاع منذ خمسة أشهر.
يعانق أهالي غزة فجر رمضان بقلوب لا تنقطع عن الدعاء بأن تضع الحرب أوزارها قريبا، ورغم وطأة الظروف القاسية يحاولون إحياء طقوسهم الرمضانية ولو بالحد الأدنى مما تحمله ذاكرتهم من عادات درجوا عليها.
يجتهد البعض لتناسي هموم الحرب والتمسك بما تيسر من عادات رمضانية كانت حاضرة سنويا، بعدما خبت آمالهم بإمكانية التهدئة في غزة قبل حلول شهر الصيام.
من بينهم الحاجة فاطمة عوض التي تستخدم علب الكرتون وبقايا معلبات المواد الغذائية التي يحصل عليها أهالي غزة من المساعدات الإنسانية التي تصل إلى مدينة رفح لصنع فوانيس لأحفادها.
تقول الحاجة فاطمة إن منزلها في مدينة غزة كان عامرا بالأضواء والفوانيس في ذلك الشهر على مدار السنوات الماضية، وكان أحفادها لا يحبون الجلوس إلا عندها في رمضان لاهتمامها الكبير بالطقوس المعتادة.
وتضيف لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "هذا العام تغيرت الظروف وتكالبت المصائب علينا، وهناك إصرار غريب من أحفادي على وجود العادات الرمضانية حتى وسط الحرب، لذلك لجأت إلى صناعة فوانيس لهم من علب المساعدات والكرتون، لكنها للأسف فوانيس غير مضيئة".
نجحت الجدة في إدخال قدر من البهجة في نفوس الأحفاد، لكنها بهجة منقوصة مشوبة بقلق عميق من عملية إسرائيلية ربما كانت وشيكة في رفح التي تكتظ بما يقرب من مليوني فلسطيني من أصل 2.3 مليون نسمة هم سكان القطاع.
* سحور وإفطار جماعي
أمام مجموعة من خيام النازحين في رفح تجمَّع عشرات النازحين على سحور جماعي وأحضر كل منهم ما لديه من مواد غذائية للمشاركة فيها.
ويقول محمد العمري الذي نزح من شمال غزة إلى رفح في خامس نزوح له منذ بداية الحرب إنه اعتاد الإفطار والسحور مع عائلته الكبيرة طيلة شهر رمضان.
ويضيف لوكالة أنباء العالم العربي "كنا نتسحر ونفطر معا أنا وأبنائي وكل إخوتي وزوجاتهم وأبنائهم؛ كانت طقوسا مميزة نفتقدها اليوم بعدما فقدت الكثير منهم في الحرب".
ومع إصرار العمري على استمرار عادته الرمضانية، بدأ يقترح على جيرانه في خيام النزوح أن يكون السحور والإفطار جماعيا ويشارك فيه الكل بما تيسر لهم من مواد غذائية.
قال "نعم تبدَّل الأشخاص ولم يعد من اعتدنا على حضورهم موجودين على مائدتيّ الإفطار والسحور، لكن نعطي لمن تبقَّى من أطفالنا روحا مشابهة لما اعتادوا عليه في رمضان".
وفي مخيم جباليا حيث آثر مئات الآلاف في شمال قطاع غزة عدم النزوح جنوبا، يسعى مئات الفلسطينيين للحفاظ على ما اعتادوا عليه سنويا من إقامة جماعية لصلاة التراويح.
وداخل مدرسة للنازحين في المخيم، تجمَّع المئات وشرعوا في أداء صلاة اليوم الأول من رمضان.
ويقول أيمن ظاهر الذي كان بين الحاضرين في صلاة الجماعة "لم نعش لحظات بهذه القسوة من قبل، لكن الطقوس الروحانية في رمضان تعطينا أملا بأن الوضع سيتغير".
ويضيف "هنا في شمال غزة لا نجد ما نفطر عليه أو نتسحر به، فنحن نصوم من خمسة شهور تقريبا أي منذ بدء الحرب.
"مرَّت أيام كاملة أحيانا دون أن نأكل شيئا، لكن رغم كل ما يحدث نحاول أن نتمسك بعاداتنا الرمضانية أو بجزء منها على الأقل آملين أن تكون لهذه الحرب نهاية قريبة".