النجاح الإخباري - يشعر أهالي قطاع غزة بالقلق من أسلحة إسرائيلية جديدة تخرج من أغمادها، ويرون أنها تشكل خطرا على مستقبل القطاع الذي دمرته آلة الحرب وقتلت فيه أكثر من 30 ألف فلسطيني، وفق إحصاءات وزارة الصحة في غزة.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن اتصالات جرت مع جهات عشائرية في قطاع غزة لتولي مسؤولية الأمور الإدارية والإشراف على المساعدات في القطاع، لكن أكثر من جهة عشائرية نفت ما يتردد في إسرائيل عندما اتصلت بها وكالة أنباء العالم العربي (AWP).

وأفادت مصادر تحدثت إليها وكالة أنباء العالم العربي بأن عائلات معينة تعيش في مناطق خاصة بها فقط كانت مستعدة للتعامل مع جيش الاحتلال في توزيع المساعدات، وتعاملت عائلتان على الأقل من العائلات المعروفة في حي الصبرة وحي الزيتون بجنوب غربي وجنوب شرقي غزة بطريقة ما مع جهات إسرائيلية مدنية. 

- لجان حماية-

لكن عددا أكبر من العائلات أعاد تشكيل لجان حماية من عناصر مسلحة، ومنهم مسلحون من (حماس) نفسها لحماية ممتلكاتهم ومنازلهم من الفوضى والسرقات التي تسبب فيها غياب جهاز الشرطة الذي تديره حماس في غزة، بحسب المصادر.

وقال مسؤول عشائري موجود في القاهرة لوكالة أنباء العالم العربي: "لسنا مستعدين للتعاون مع الاحتلال في أي موضوع مهما كان"، بينما أشار فلسطيني من عشيرة أعادت تشكيل لجان حماية مسلحة من أبناء العائلة إلى أن عشيرته اضطرت إلى تشكيل أذرع قوة داخلها لحماية المنازل والممتلكات، غير أنه نفى أن تكون عائلته تعاملت مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في تسلم المعونات وإدارة مناطق معينة في غزة مثل حي الشجاعية.

وأبدى الأخير قلقه من إقدام حماس على محاسبة العائلات التي ثارت حولها مزاعم تعاملها مع إسرائيل إذا ما جرى التوصل لاتفاق تهدئة خلال الأيام القادمة، مشيرًا إلى أن عمل لجان الحماية في عائلته يهدف إلى ضمان عدم السطو على منازل العائلة في ظل الظروف الإنسانية المروعة في القطاع. 

وقال: "بعض العائلات باتت تشعر بالقلق من إبرام اتفاق تهدئة لما قد تشكله من فرصة لعناصر من حماس لمحاسبتهم في ظل حالة الفوضى التي تسيطر على مناطق شمال وادي غزة".

- اتصالات مع عائلات-

وكانت مصادر محلية أبلغت وكالة أنباء العالم العربي في وقت سابق هذا العام بأن اتصالات جرت مع عائلات تسكن في مناطق خاصة بها، وتعاون هؤلاء بشكل مدني مع الجيش الإسرائيلي لضمان وصول المساعدات لأفراد عائلاتهم وليس لتوزيعها على السكان في شمال قطاع غزة، كما ادعت إسرائيل.
 
وفي الأسبوع الماضي، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن إسرائيل سمحت للمرة الأولى بإدخال المساعدات الإنسانية مباشرة إلى شمال قطاع غزة، بدلا من المرور عبر البوابة الجنوبية للقطاع التي كانت تسمح فقط بتدفق محدود جدًا من المساعدات إلى المناطق الشمالية.

ووفقا للمخطط، ستخضع الشاحنات التي تحمل المساعدات إلى فحص أمني من قبل جيش الاحتلال عند معبر كرم أبو سالم أو معبر العوجة، وبعدها تدخل قطاع غزة في منطقة الممر الإنساني في الشمال.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قوله إنه تمت الموافقة على خطة تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة بصورة تمنع عمليات النهب التي حدثت في شمال القطاع وفي مناطق أخرى. 

وسينقل المساعدات إلى مراكز النزوح في حي الزيتون مسؤولون محليون لم تكشف عنهم إسرائيل، لكن شهود أبلغوا وكالة أنباء العالم العربي بأن ما ذكرته إسرائيل لم ينفذ ولو مرة واحدة، وأن الشاحنات التي استهدفتها إسرائيل في الآونة الأخيرة في دوار النابلسي كانت متجهة الى مناطق جنوب غربي غزة.

- فوضى-

وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن منسق العمليات الحكومية في الضفة الغربية وقطاع غزة غسان عليان اتصل بمسؤولين محليين في شمال قطاع غزة وأبدوا له موافقتهم على تولي المسؤولية عن المنطقة، بدلا من حماس، وتوصيل الإمدادات إلى سكان القطاع.
 
ووصف الصحفي عبد الهادي كريم الوضع في شمال قطاع غزة بأنه فوضوي، وقال: "هناك سيطرة لبلطجية أكثر من أي مصطلح آخر، وهناك أربع عائلات معروف عنها أنها صاحبة قوة ولجان عائلية قوية، لكن بعد سيطرة حماس على قطاع غزة في 2007 تمكنت الحركة من إضعاف العائلات في الشارع لصالح القانون".

وحاولت وكالة أنباء العالم العربي التواصل مع جهات رسمية للتعقيب، لكنها لم تحصل على أي إجابة، فيما قال مسؤول في شرطة حماس إن الشرطة لا تنتظر التهدئة لوقف ما وصفها بأنها "بلطجة".

وأضاف المسؤول في شرطة حماس في حديثه إلى وكالة أنباء العالم العربي: "أعدنا السيطرة على غالبية المناطق في شمال غزة. قوات الشرطة والمباحث والأمن الداخلي لم تتوقف عن العمل. ربما اختفت المظاهر الرسمية لكنهم كانوا يتابعون الميدان وكل التفاصيل وكل التجاوزات مسجلة عندهم".

وتابع قائلا: "لا يوجد لدينا أماكن نستطيع اعتقال المجرمين والخارجين عن القانون فيها، ولا يوجد لدينا قوات شرطية تستطيع التجول بملابسها الرسمية، لذلك تحولنا إلى العمل بالزي المدني، وما زالت هيكلية العمل على حالها كما كانت قبل الحرب".

ومضى المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية المسألة، يقول: "بالتأكيد سنعمل في التهدئة على فتح كل ما قمنا بتدوينه خلال الفترة الماضية ونوقف حالة البلطجة التي تحاول بعض الجهات دعمها وتعزيزها، ولن نسمح بأي انفلات وسنحاسب كل من تجاوز القانون. نحن نعتبر من تجاوز القانون في حالة الحرب أكثر جرما من تجاوزه في أيام عادية".
 
- حكم العشائر-

ترسم محللة الشؤون العربية في هيئة البث الإسرائيلية سابير ليبكين عدة سيناريوهات لمسألة "اليوم التالي للحرب" في قطاع غزة، ويأتي على رأسها قضية حكم العشائر.

وقالت ليبكين إن نتنياهو حدد العشائر التي ستحكم المدنيين، ووصفهم بأنهم "مسؤولون محليون من أصحاب الخبرة المدنية". وأضافت "لكن في الواقع هذه عائلات قوية في القطاع ولها نفوذ. ومع ذلك، فإن هذه الفكرة تنطوي على إشكالية، فجزء كبير من هذه العشائر مرتبط بحماس وغيرها من الجماعات المسلحة".

ويقول مايكل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة هارفرد، في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية إن سلاح العشائر قد ينطوي على مخاطر جمة.

وأضاف: "يمكن أن يكون هذا الحل بمثابة فرصة لفوضى خطيرة، فبعض العشائر... مسلحة ومتورطة في الجريمة والعنف، وبالتالي التعامل معها يشبه العلاقة مع الكتائب، فمنحها السلطة يعني تطوير ميليشيات من المحتمل أن تكون متورطة في العنف الداخلي، وفي الإرهاب أيضا".

وتابع قائلا: "إذا قررت إسرائيل تشكيل حكومة مدنية في غزة، فمن الأفضل أن تفعل ذلك على أساس قوى محلية غير تابعة لحماس، ومن الممكن أن تكون الحكومة المحلية مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، وربما حتى تابعة لها".

- السلطة ودورها

وكشف مسؤول أمني فلسطيني رفيع المستوى النقاب عن اتصالات مكثفة أجرتها جهات أمنية فلسطينية مع دول إقليمية وجهات إسرائيلية لبحث إمكانية مشاركة السلطة الفلسطينية في التخفيف من معاناة المدنيين وإيصال المساعدات وحمايتها، لكن رسائل سلبية وصلتهم من حماس وأخرى بالرفض من إسرائيل. 

لكن الخطط التي ذكرها المسؤول الأمني الفلسطيني لم تتجاوز تدخلات إغاثية بسيطة ولم ترق لأن تكون بديلا أمنيا من خلال القوات الفلسطينية الموجودة في غزة والتي لا تعمل منذ سيطرة حماس على القطاع. 

وأضاف المسؤول الأمني الفلسطيني: "هناك جهات تسعى لافتعال مشاكل، وما يحدث في غزة طبيعي سواء أكان ذلك على مستوى سيطرة بعض العشائر هناك على مناطق مختلفة، أم حتى تعامل بعضها مع الجيش الإسرائيلي وهي قلة قليلة. 

"السلطة الفلسطينية رفضت بشكل قاطع خطة نتنياهو، وترفض في المطلق أن تعمل ضمن محددات واعتبارات أمنية إسرائيلية"، مفسرا عدم طرح خطة تفصيلية بكون السلطة لا تريد حكم قطاع غزة "على ظهر دبابة"، فضلا عن عدم تعريض أي عنصر تابع لها لأخطار أمنية.

وردا على سؤال حول طريقة حل الوضع الراهن الذي قد يتسبب في فقدان السلم الأهلي الداخلي، قال المسؤول الأمني الفلسطيني: "لدينا خطة نوقشت في اجتماع الرياض السداسي وناقشها الرئيس (محمود عباس) أبو مازن مع أمير قطر، لكن لم نصل إلى الخطوة التالية الواجب اتخاذها".

وكانت وكالة أنباء العالم العربي قد كشفت في تقرير خاص الشهر الماضي تفاصيل الخطة الفلسطينية لما يطلق عليه "اليوم التالي في غزة"، وتتضمن تفاصيل عن الأمن في القطاع تشير إلى الاستعانة بقوات عربية، إضافة إلى القوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بعد تدريبها لفرض الأمن في قطاع غزة.

لكن مراقبين عزوا حالة التخبط التي تسيطر على الحكومة الإسرائيلية إلى عدم وضع خطة مفصلة لما يطلق عليه "اليوم التالي"، سواء من جانب القوى الإقليمية والغربية أو السلطة الفلسطينية أو حتى إسرائيل. 

وقال المحلل السياسي جهاد حرب إن الهدنة المتوقعة في الأيام القليلة القادمة ستتيح لحماس فرصة إعادة ترتيب أوراق قطاع غزة.

وأبلغ حرب وكالة أنباء العالم العربي "حماس لن تذهب لمحاسبة العشائر خلال فترة الهدنة، لكن إذا ما وصلت الأمور إلى وقف كامل لإطلاق النار وعادت حماس للحكم، فإنها ستسعى إلى محاسبة من ارتكب جرائم أو استولى على بيوت المواطنين أو شكل عصابات".

وأضاف: "طبيعة الهدنة المتوقعة هي التي ستحدد لحركة حماس كيف ترتب أوراقها، وإذا ما سيكون هناك عودة إلى شمال قطاع غزة أو لا".