النجاح الإخباري - فيما تواصل إسرائيل حربها على قطاع غزة تحول الضفة الغربية إلى سجن كبير مقطع الاوصال، إذ ظهرت البوابات البرتقالية الجديدة التي تغلق ما يقارب جميع مداخل القرى والبلدات الفلسطينية، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عملية تنقل الفلسطينيين بات مهمة صعبة محفوفة بالمخاطر.
ومنذ بداية الحرب، أضاف الاحتلال الإسرائيلي ما مجموعه 45 بوابة في الضفة الغربية، ما يجعل المجموع الكلي بوابة 214، علاوة على العوائق الترابية والحواجز الخرسانية ونقاط التفتيش العشوائية.
- تشديد مضاعف
زاد الاحتلال الإسرائيلي كذلك بشكل كبير من عملياته العسكرية في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، مستهدفا جيل جديد من الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين.
فمثلا الخليل، التي يبلغ عدد سكانها 250،000 نسمة، أكبر مدينة فلسطينية بعد غزة سكانيا، تأثرت بشكل حاد في ظل التجمع االاستيطاني الإسرائيلي في وحول المدينة، والتي كانت طوال فترة طويلة واحدة من أكثر المناطق عسكرة ومراقبة بشكل مكثف في الضفة الغربية.
- سجن داخل سجن
فبعد 7 أكتوبر، جرى تشديد الضغط على الخليل بشكل أكبر وحجب الاحتلال الإسرائيلي جميع الطرق الرئيسية عن المدينة، واغلقت العديد من الحواجز الإسرائيلية التي كانت تسيطر على حركة المرور في وحول المدينة القديمة، ما فصل الأهالي والعائلات الفلسطينية عن بعضها البعض.
وبات العديد من المواطنين يحتجزون في أحيائهم، فيما يشبه "سجن داخل سجن" .
وجرى تقسيم الخليل إلى جزئين قبل أكثر من 25 عامًا بموجب اتفاقيات أوسلو. وتتولى السلطة الفلسطينية إدارة غالبية المدينة، المعروفة باسم H1، بينما يخضع قلبها التاريخي، أوH2، الذي يضم ما يقرب من 34،000 فلسطيني و850 مستوطن يهودي، لسيطرة الاحتلال.
- منعوا من مغادرة منازلهم
وأثار وزير اليميني الإسرائيلي إيتامار بن غفير، الذي يعيش في مستوطنة تحيط بالخليل، استياءً دوليًا لقوله إن سلامة المستوطنين أهم من حرية حركة الفلسطينيين. بعد هجمات السابع من أكتوبر وما تلاها من عدوان مستمر على قطاع غزة، وقال الفلسطينيون القاطنون في المنطقة الخاضعة لسيطرة الاحتلال في قلب الخليل إنهم منعوا من مغادرة منازلهم لمدة أسبوعين، واعتاشوا من أي شيء كان لديهم داخل المنزل.
وتعليقا على إجراءات الجيش الإسرائيلي والتضييق على الفلسطينيين، قالت روني بيلي، محامية في جمعية حقوق المواطن في إسرائيل: "الفجوة بين ما يقولونه وما يحدث على أرض الواقع لا يصدق". وأضافت: "إنها مثل سياسة التضليل".
تداعيات الحرب على الاقتصاد الفلسطيني
وبسبب إجراءات الاحتلال واجه الاقتصاد الفلسطيني انكماشًا حادًا في عام 2023، إذ تأثر بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وآثار المدمرة. وشهد الناتج المحلي الإجمالي في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية انخفاضًا بنسبة 33٪ في الربع الرابع من عام 2023، مما أدى إلى تقدير انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العام بنسبة 6٪ للعام، والذي يقدر بحوالي 1.4 مليار يورو.
كما تدمر الاقتصاد بشكل كبير في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية شهدت معدلات التوظيف وتجارة الأعمال انخفاضًا واضحًا.
ويقول علاء زكارنة البالغ من العمر 33 عامًا ويملك متجرا لملابس الرجال في وسط مدينة جنين: "انظر إلى كل هذه السترات؟ اشتريتها مقابل 100 شيكل لكل منها (حوالي 25 يورو) وأضطررت لبيعها بسعر 50 شيكل فقط لأحصل على قليل من النقود!
وفي منتصف أزمة اقتصادية، يقوم الناس بالتوفير مما يملكونه من أجل شراء الخبز بدلاً من السترات". وأشار محمد كامل، المدير العام لغرفة التجارة والصناعة في جنين إلى أن 65٪ من اقتصاد جنين يعتمد على زوار المدينة وليس سكانها، الذين باتوا غير قادرين على الوصول إلينا بسبب الإغلاقات. وهذه خسارة كبيرة حيث انخفضت حجم المبيعات بنسبة 80٪.
- غزة مصغرة
يبلغ عدد العمال الفلسطينيين في الضفة الغربية الذين سحبت تصاريح عملهم بعد الحرب على قطاع غزة حوالي 200،000 شخص، كإجراء أمني وفقًا لإسرائيل، فيما وصف رجا خالدي مدير معهد أبحاث السياسات الاقتصادية في فلسطين (ماس) الاجراء الاسرائيلي بالعقوبة الجماعية.
مضيفاً: "تعليق التصاريح، المستهلكون الفلسطينيون من ال48 والقدس الذين لا يمكنهم الوصول إلى الضفة، الاقتحامات العسكرية في جنين وطولكرم ونابلس التي باتت تشبه 'غزة مصغرة'، وتعزيز الحواجز، كل هذه الأحداث شهرًا بعد شهر، أنشأت حالة كارثية".
وفي بيت لحم مهد اليسوع قال زائر ياباني: "أعتقد أنني السائح الوحيد في بيت لحم"، في إشارة إلى أنها فارغة تمامًا.
وفي ذات السياق، قال مدير فندق جراند فور ستار فارس فؤاد بندق: "من بين الفنادق الخمسين في المدينة، لا يوجد أي فندق مفتوح. لقد أجرينا تجديدات كبيرة خلال الصيف. كنا متفائلين جدًا؛ كنا نتوقع أن نحقق أرباحًا جيدة خلال موسم الشتاء لتمكيننا من سداد ديوننا".
وبموجب اتفاقيات أوسلو، تجبي إسرائيل مختلف الضرائب والجمارك نيابة عن السلطة الفلسطينية التي تمارس حكمًا ذاتيًا محدودًا في الضفة الغربية، وتقوم بتحويلها مرة كل شهر. ومع ذلك، منذ بداية الحرب، منعت إسرائيل جزءًا كبيرًا من هذه الإيرادات: حوالي 150 مليون يورو شهريًا من الـ 190 مليون الذي كان ينبغي على السلطة الفلسطينية تلقيها.
- انهيار أمني
وقال دبلوماسي أوروبي مقيم في القدس للجنة الخدمات الدولية.: "من الصعب فهم ما الذي يلعب به الإسرائيليون. سيؤدي انهيار الاقتصاد الفلسطيني بالضرورة إلى انهيار أمني، وهو ليس في مصلحتهم".
وأعلنت النرويج في 18 فبراير أنها قد تفاوضت على اتفاقية مؤقتة لإطلاق العائدات المتأتية من تسوية الجمارك هذه، والتي تشكل 65٪ من دخل السلطة بموجب هذه الاتفاقية، نقلت إسرائيل جميع الأموال إليها، التي بدورها ستقوم بتحويل الأموال المخصصة للضفة الغربية إلى السلطة في حين أنها ستحتجز تلك الموجهة إلى غزة.
لكن هذه العائدات لوحدها لن تنحل الأزمة المالية الكبيرة في الضفة الغربية، فيما يحتاج قطاع غزة إلى مليارات الدولارات لإعادة بنائه بعد الحرب.