منال الزعبي - النجاح الإخباري - في هذه الأيام العصيبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، من حرب ودمار يحصد آلاف الأرواح يوميًا، بتنا نتعطش للفرح؛ ولأن الحياة تستمر والفلسطيني عصي على الانكسار؛ ولأن الزواج "عش لا يعمّره إلا الفراخ"، وحب ثمرته الإنجاب، نروي لكم حكاية فلاح أصيل محب للأرض والزرع، انتظر 21 سنة أن يثمر زواجه حتى أتى عام أغاثه الله وأسبغ عليه رزقه وأنار بيته بمولودين ذكر وأنثى.
سنوات من التمني المحفوف بالدعاء والغصة وسيل من التفاصيل والتجارب، يعرضها لنا المواطن مراد السرطاوي من قرية سرطة غربي مدينة سلفيت، وهو أحد مؤسسي مجموعة حكي القرايا التي تضم أكثر من 100 ألف عضو وتسعى لرصد وحفظ التراث الفلسطيني بشتى أنواعه.
بداية الزواج
خاض مراد بعمر (26) وزوجته آلاء من الأردن (16) عامًأ تجربة زواج محفوف بالصعوبات، تعرف إليها عن طريق أصدقاء للعائلة كأي شاب يبحث عن شريكة حياته التي كانت في الطرف الآخر من الوطن، سافر إليها تمهيدًا لمراسم زواج تقليدي يحضره الأهل والأصحاب، إلا أن كونها أردنية الجنسية ولا تملك هوية فلسطينية حال دون ذلك، وأمام وعود ذوي الخبرة بإمكانية حصولها على الهوية، وتعلق القلبين ببعضهما، أتم مراد الزواج وحده على أمل أن يعودا ويعلنا زواجهما بالضفة في فرح غامر، إلا أن الحظ خالفهما ومنعت من السفر، ما اضطره للمكوث في الأردن قرابة ست سنوات، وهو المنتمي لأرضه وبلده، وكأن الاحتلال حكم عليه أن يكون نبتة في غير تربتها، وكي يعود إلى حضن أهله وبلده لم يترك فرصة أو محاولة إلا جربها، وبطريقة لا تخطر على بال أحد تمكن من كسر إرادة المحتل وإحضار زوجته إلى فلسطين، وتحقق المراد.
مغامرة كانت مدفوعة الثمن، فالاشتياق سوط يجلد صاحبه، وهو ما كان في كل مرة تحصل مناسبة عند أهلها ولا تستطيع الحضور، أمضت آلاء (16) عامًا بعيدة عن أهلها محرومة من رؤيتهم، إلا أن الزوج المحب لم يترك طريقة إلا حاولها في سبيل لم الشمل وحصولها على المواطنة حتى كانت، وللمرة الثانية تحقق المراد.
رحلة الإنجاب
"لكل شيء إذا ما تم نقصان" .. ظلت قصة مراد وآلاء ناقصة دون الإنجاب، عاش الزوجان رحلة عناء محفوفة بالصبر والدعاء في قصة تعكس قوة الإيمان والأمل، فمراد الفلاح المحب للأرض والزرع واستصلاح كل خراب، هو ابن الأرض وإليها ينتمي، ومع كل بذرة يغرسها كان يأمل أن يرى غرسًا من أبنائه فيرفع رأسه للسماء داعيًا متضرعًا آملا بفرج الله.
سنوات طويلة من الصبر والأمل عاشها الزوجان اللذان لم يخالطهما اليأس يومًا بل ظلّا محبين متماسكين.
وحول قصته قال مراد: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا، الرحمة لشهدائنا والشفاء لجرحانا والنصر لشعبنا، من رحم المعاناة ولد الفرح، الحمد لله الذي وهبنا توأمنا الجميل (جوليا ومحمد) بعد صبر وطول سنين تجاوزت 21 سنة لم نفقد طوالها أملنا بالله، وكلما خضنا تجربة في البحث عن غايتنا ازددنا ثقة بالله عز وجل أن ما عنده آتٍ لا محال".
وأضاف: "لقد جُلنا كلَّ فلسطين وزرنا أطباء كثر ومراكز تختص بزراعة أطفال الأنابيب، وجربنا عشرات الوصفات الطبية، وأكثر منها وصفات بالحكمة العربية، ورحنا إلى تركيا وعدنا إلى الأردن مرات ومرات إذ بلغت محاولات عمليات الزراعة 14 محاولة نجحت الأخيرة منها ولله الحمد والشكر".
وحول شعوره في هذه الرحلة تابع: "كل تجربة مررنا بها عشنا لحظات صعاب،وانتظار عددنا ساعاته أشهرًا وسنين، ونحن نرجو الله أن لا يضيّع لنا تعبًا وصبرًا، فالتكاليف المادية أكثر من باهظة، وإنما التكلفة الأكبر ما تحملته رفيقة الدرب "آلاء" من ألام العمليات المتكررة ووخزات الإبر التي لا تعد ولا تحصى وما زادها هذا إلا صبرًا وأملًا بالله وتحمده وتشكره على كل حال".
أما آلاء التي كادت أن تفقد الأمل على أبواب الأربعين، لكنها ألحت على الله "ربّ لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين"، فحقق الله لها المراد للمرة الثالثة.
بدموع الفرح تصف مشاعرها، تقول:"وأخيرًا أصبحت أمًا وحقق الله أملي، أقول لكل من لم يرزق بطفل ثقوا بالله عز وجل، لا تفقدوا الأمل،كونوا على قناعة بأن الله لم يؤخر هذا إلا لأمر فيه خير لكم، واعلموا أنه بالصبر والاستغفار والسعي يتحقق المراد بإذنه عز وجل".
وأضافت: “أن تصبح أبًا أو أمًا هو أن تعيش في قلب آخر ينبض خارج جسدك، وهذا هو المعنى الحقيقي للحياة، والوجه الأجمل للزواج".
مراد وآلاء كانا يفرغان صبرهما بالأرض والزرع، يحصدان الثمار ويطبخان الأكلات الشعبية، التي يعرضانها على قناتهما عبر اليوتيوب، صبر توّج بالفرح، واكتملت العائلة بطفلين جميلين (محمد وجوليا) يأملان أن يشبّا أمام ناظريهما ويحملان من الصبر والعطاء ما زرعه والديهما.
هذه قصة مراد وآلاء، قصة صبر وأمل وفرح، قصة تبعث في النفوس الرجاء والتفاؤل، قصة تذكرنا بقول الله تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} صدق الله العظيم.