نابلس - عبد الله عبيد - النجاح الإخباري -  

يدور الحديث في الآونة الأخيرة عن تقديم الجانب الإسرائيلي سلسلة من الإجراءات التي تهدف لمساعدة الفلسطينيين وبالأخص في قطاع غزة المحاصر منذ ما يزيد عن 17 عاماً، في ظل التوتر القائم على حدود القطاع، بالإضافة لتقديمه "تسهيلات اقتصادية" كبيرة للسلطة الفلسطينية، في الوقت الذي تُجري فيه حكومة الاحتلال مباحثات مع المملكة العربية السعودية.

سلسلة الإجراءات التي سيتخذها الاحتلال تهدف إلى خفض التوتر مع غزة، تجنباً لأي تصعيد محتمل، وفق ما زعمته صحيفة "هآرتس" العبرية، والتي ذكرت بأن الاحتلال يبحث زيادة عدد تصاريح الدخول إلى إسرائيل لعمّال القطاع، وإدخال تسهيلات على حركة البضائع.

وبحسب "هآرتس" فإن هناك اتصالات تجري مع قطر من أجل تحويل مساعدات مالية إلى حركة حماس تمكنها من دفع رواتب موظفيها، لأن حكومة الاحتلال "لا تريد التشويش على المحادثات الجارية مع المملكة العربية السعودية، وتعتقد أن تصعيداً في غزة قد يضر بهذه المحادثات".

خسائر اقتصادية

بعد إغلاق سلطات الاحتلال معبر بيت حانون (إيرز) أمام عمال غزة لعشرة أيام متتالية، وذلك على إثر تجدد الاحتجاجات على السياج الحدودي لقطاع غزة، إلا أنها أعلنت الأربعاء الماضي إعادة فتحه والسماح لعمال قطاع غزة بالدخول للعمل داخل إسرائيل.

إغلاق ايرز لعشرة أيام متواصلة أثر بشكل كبير على اقتصاد غزة، والذي كبده خسائر وصلت إلى 50 مليون، هو ما ذكره سامي العمصي، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة.

العمصي أشار أيضاً خلال حديثه لـ"النجاح الاخباري"، إلى أن الخسائر اليومية جراء إغلاق جيش الاحتلال لمعبر بيت حانون "إيرز" الأسبوع الماضي وصلت إلى 5 مليون شيقل، لكن بعد فتح المعبر أمامهم دعا إلى زيادة تصاريح العمل أمام المواطنين في غزة.

التسهيلات التي تدرسها إسرائيل تجاه غزة، جزء من مباحثات انطلقت في الأسبوعين الماضيين، في ظل محاولة وسطاء خفض التوتر على حدود القطاع، بعدما استأنفت حماس المظاهرات والمسيرات قرب الحدود قبل أن توقفها نهاية الأسبوع الماضي مع تقدم في المباحثات.

وهو ما أكده مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، تور وينسلاند، بأن الجهود الدولية تعمل بشكل مستمر لتفادي التدهور الأمني، وجدد تأكيده القيادي البارز في حماس محمود الزهار خلال حديثه لـ"النجاح الاخباري"، بأن حركته تلقت العديد من الاتصالات لتهدئة الأوضاع.

ويشير الزهار إلى أن الطرف المصري وعد حماس بالعمل على تهدئة الأوضاع، مضيفاً "نتمنى الوصول إلى تهدئة وعدم تدحرج الوضع إلى تصعيد على مستوى قطاع غزة".

وبعد أن تمنى الزهار وصول قطاع غزة إلى تهدئة، وجّه وزير حرب الاحتلال يوآف غالانت، رسالة طمأنة علنية تضاف إلى الرسائل السرية إلى حركة حماس، قائلاً إن حكومته "لا تريد التصعيد ولا تطمح للقتال مع قطاع غزة"، مضيفاً أن "ما تقوم به قواته العسكرية من قصف هو في إطار الدفاع. وأردف "إذا تعرض إسرائيليون أو جنود الجيش الإسرائيلي للأذى، نرد بقوة ولا ينتظرن أحد منا أن نقف مكتوفي الأيدي".

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أخبر نتنياهو، خلال لقاء جمعهما في نيويورك، الأسبوع الماضي، أن منع التصعيد ضد الفلسطينيين سيساعد إدارته على تعزيز الاتصالات مع السعودية.

"تسهيلات لم تنفّذ"

وفي ظل الحديث عن إجراءات وتسهيلات اقتصادية للفلسطينيين، زعمت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية أمس الأحد أن "تل أبيب" بدأت بتقديم تسهيلات اقتصادية كبيرة للسلطة الفلسطينية، لمنع انهيارها.

ووفقاً للصحيفة العبرية فإن "تل أبيب خفضت مؤخراً بنسبة 50% الضريبة على الوقود، الذي تجمعها من السلطة الفلسطينية، إذ أصبحت 1.5%، بدلاً من 3%"، موضحةً أن هذا "التخفيض سيؤدي إلى توفير 80 مليون شيكل (21 مليون دولار) سنوياً في موازنة السلطة الفلسطينية".

الحكومة الفلسطينية، نفت اليوم الإثنين، ما أوردته صحف عبرية عن تقديم حكومة الاحتلال تسهيلات مالية للسلطة الوطنية، وقالت إن الحكومة الإسرائيلية الحالية تضاعف الخصومات غير القانونية على السلطة الفلسطينية.

وجدد وزير الاقتصاد الفلسطيني نفيّه حول تقديم الجانب الإسرائيلي أي تسهيلات اقتصادية لحكومة بلاده، متهماً الاحتلال الإسرائيلي بالسعي لما وصفه بالإساءة للسلطة الفلسطينية.

وفي حديثه لـ"النجاح الاخباري"، اتهم الوزير العسيلي أيضاً حكومة الاحتلال بسرقة السلطة الفلسطينية شهرياً نحو 160 مليون شيقل، وهي الأموال التي تقرصنها من أموال المقاصة الفلسطينية، بذرائع وحجج واهية.

وأشار إلى أن خسائر السلطة الفلسطينية خلال العشرين عاماً الماضية من عام (2000-2020) بلغت نحو 50 مليار دولار، نتيجة عدم السيطرة على المناطق المصنفة (ج) بموجب اتفاق أوسلو، وذلك بحسب القانون الدولي.

ومنذ عام 2019 تعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية بسبب اقتطاع إسرائيل جزءا من أموال الضرائب الفلسطينية التي تجمعها عن البضائع التي تدخل إلى السوق الفلسطينية.

تطبيع السعودية

الكثير من المراقبين والمحللين ربطوا إعلان الاحتلال تقديم تسهيلات سواء لغزة أو الضفة، بالمباحثات الجارية مع المملكة العربية السعودية، خصوصاً أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وفي حديثه لشبكة فوكس نيوز الإخبارية، وعند سؤاله عن تطور العلاقات التطبيعية السعودية-الإسرائيلية، قال إن "المملكة حريصة على تحسين حياة الفلسطينيين".

وفي خطوة تعتبر الأولى من نوعها، زار سفير السعودية غير المقيم لدى فلسطين والقنصل العام في مدينة القدس نايف بن بندر السديري، الثلاثاء الماضي، مدينة رام الله، لتقديم أوراق اعتماده للرئيس محمود عباس، وأكد على أن مبادرة السلام العربية هي نقطة الارتكاز لأي عملية سلام مستقبلية.

وفي مقالها الذي نُشر على صحيفة "القدس" المحلية، أمس الأحد، ذكرت الأستاذة الجامعية في الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، د. دلال عريقات كريمة السياسي المخضرم المرحوم د. صائب عريقات، أن السعودية تمثل الكرت الأخير في ميزان اللعبة الفلسطيني، لكنها أكدت أنه "عند الحديث عن تحسين حياة الفلسطينيين، نود لفت الانتباه لأهمية التفريق بين تحسين الحياة من جهة، وبين الحقوق والحاجات من جهة أخرى".

وقالت في مقالها، إن "الحديث عن تحسين حياة الناس وتوفير فرص عمل وازدهار اقتصادي يعني توفير الحاجات، اما الجانب السياسي محل التفاوض لا يجب ان يتناول الحاجات"، مضيفةً أنه "في القرن الـ ٢١ نستطيع أن نضيف الانترنت "4G 5G" والكهرباء والسفر والاتصال والدراسة كحاجات اساسية ليست موضوع تفاوض، هذه حقوق انسان واحتياجات فسيولوجية لا خلاف عليها.

الباحث في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور يوافق عريقات في رأيها، بأنه يجب التفريق بين الامتيازات التي سيمنحها الاحتلال للشعب الفلسطيني وبين الحقوق المشروعة والمكفولة وفق القوانين والمواثيق الدولية.

حيث أكد منصور خلال حديثه لـ"النجاح الاخباري" أن التسهيلات التي يُعلن الاحتلال عن تقديمها للفلسطينيين سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، هي حقوق فلسطينية مشروعة ومسلوبة من قبله.

والأمر بالنسبة لمنصور أعمق من تسهيلات اقتصادية، بل إنها جزء من مسار طويل نجح الاحتلال في خفض سقف توقعات ومطالب القيادة الفلسطينية، وقال "لقد حولت إسرائيل جوهر المطالب الفلسطينية العادلة بالحرية إلى أحاديث عن تسهيلات وأمور حياتية وقضايا تصب في جيب السلطة ذاتها، وتضمن بقائها واستمرارها، أما المواطن الفلسطيني فهو لن يشعر بهذه التسهيلات ولا تعنيه كثيرا".

وأخيراً، أود الإشارة إلى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بحاجة ماسة إلى أي تقدم فعلي سواء بملف التطبيع مع السعودية، أو تقديم إجراءات تسهيلية لغزة والضفة تجنباً لأي انفجار، خصوصاً أن حكومته المتطرفة تمر بأسوأ حالاتها في ظل الأزمات التي تواجهها، خصوصاً الأزمة الداخلية التي تزيد يوماً بعد آخر.