نابلس - منال الزعبي - النجاح الإخباري - في خطوة استفزازية جديدة، كشفت ما تسمى "سلطة الآثار" الإسرائيلية عن حفرية قرب المسجد الأقصى المبارك، ادعت أنها قنوات مياه تعود لفترة "الهيكل الأول" المزعوم، والذي لم يثبت وجوده أثريًا أو تاريخيًا.

وقالت "سلطة الآثار" الإسرائيلية إنه عُثر خلال عمليات التنقيب الجديدة على قنوات تعود بتاريخها إلى القرن الثامن قبل الميلاد. كانت تُستخدم في صناعة منتوج لم يتم التوصل إلى ماهيته بعد، في عهد الملكين "يوآش" و"أماتسيا"، وهما من ملوك التوراة الأسطوريين؛ ما يعني أن "سلطة الآثار" تنسب الحفرية لفترة "الهيكل الأول" أي العصر الحديدي.

وتأتي هذه الحفرية في سياق سلسلة من التنقيبات الأثرية التي تجريها "سلطة الآثار" بالتعاون مع جمعيات استيطانية حفريات أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه، بهدف تدمير الآثار والمعالم العربية والإسلامية في مدينة القدس المحتلة. ومنذ سنوات طويلة، تحاول "سلطة الآثار" إثبات وجود "الهيكل المزعوم" لسيدنا سليمان في أسفل المسجد الأقصى، وذلك بالاستناد إلى نصوص توراتية غير مؤكدة، وبالتغافل عن حقائق أثرية وتاريخية تشير إلى أصول عربية وإسلامية للمدينة.

خبراء: التنقيبات غير قانونية وغير علمية

وقد نفى خبراء وأكاديميون في مجال التاريخ والآثار صحة مزاعم "سلطة الآثار" الاسرائيلية، وأشاروا إلى أن التنقيبات التي تجريها هذه الجهة هي غير قانونية وغير علمية، وأنها تخضع لأجندة سياسية ودينية، كما أن تفسير المكتشفات الأثرية في مدينة القدس يخضع أيضًا إلى أهواء علماء الآثار التوراتيين، حيث يزورون تاريخ مدينة القدس وينسبونه إلى اليهود، وكأن من كان يسكن مدينة القدس كان فقط من اليهود وغيره لا وجود لهم في هذه المدينة العريقة. 

وقال الدكتور لؤي أبو السعود الأستاذ المشارك في علم الآثار الفلسطيني ومدير دائرة العلوم الاجتماعية في جامعة النجاح، ورئيس الهيئة الإدارية للجمعية الفلسطينية للآثار لـ"النجاح الإخباري" : "لا توجد آثار معمارية في المدينة تنسب إلى داود أو سليمان أو غيرهم من الملوك التوراتيين، بل إن من قام ببناء مدينة القدس هم اليبوسيون العرب في أواسط الألف الثالث قبل الميلاد.

وأضاف أن نفق سلوان وهو نفق مائي كان يزود مدينة القدس بالماء من نبع سلوان في القرن الثامن قبل الميلاد، وقد بناه سكان مدينة القدس من اليبوسيين وليس حزقيا كما يدعى علماء الآثار التوراتيين المنحازين للحركة الصهيونية.
كما لفت إلى أنَّ الحفريات التي تجريها "سلطة الآثار" الإسرائيلية هي مجرد محاولات يائسة لتزوير التاريخ والتراث".

وأضاف أبو السعود أنَّ "سلطة الآثار" الإسرائيلية تستخدم طرقًا غير علمية في التنقيب، مثل حفر الخنادق والأنفاق والممرات، والتي تهدد بانهيار المسجد الأقصى والمباني المحيطة به.

وأشار إلى أن هذه الجهة تتجاهل أو تتلاعب بالمواد الأثرية التي تجدها وتفسرها بالطريقة التي تتناسب مع الأيدلوجية الصهيونية، وتحاول إخفاء أو تشويه أو نقل أو تدمير أي شيء يدل على هوية المدينة العربية والإسلامية.
وقال: "هذه التنقيبات لا تستند إلى أدلة علمية موثقة، بل إلى نصوص توراتية متضاربة ومشكوك في صحتها. كما أن هذه التنقيبات لا تهدف إلى إثراء المعرفة الأثرية، بل إلى خدمة مشروع استعماري واستيلاء على أرض لا يملك عليها حقًا".

المجتمع الدولي يدين التنقيبات

وقد أدانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" التنقيبات الأثرية التي تجريها إسرائيل في القدس، وأكدت أنها تشكل انتهاكًا للقانون الدولي والاتفاقيات المتعلقة بحماية التراث الثقافي.

وقد أصدرت "اليونسكو" قرارًا في عام 2016 يؤكد أن المسجد الأقصى هو موقع إسلامي مقدس، وأنه لا توجد أية علاقة لليهود بالحرم القدسي الشريف. وقد رفضت إسرائيل هذا القرار، ووصفته بأنه "مشوه" و"معادٍ للسامية".

ولم يكن هذا القرار هو الأول من نوعه، فقد سبق أن صدرت قرارات دولية أخرى تدين التصرفات الإسرائيلية في القدس، مثل قرار مجلس الأمن رقم 478 في عام 1980، الذي يعتبر قانون ضمَّ ِ الذي يعتبر قانون ضمَّ القدس إلى إسرائيل “باطلاً ومنعدم الصحة”، ويدعو إلى سحب السفارات الأجنبية من المدينة. وكذلك قرار مجلس الأمن رقم 2334 في عام 2016، الذي يطالب إسرائيل بوقف كل أنشطة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية. وقد اعتبرت إسرائيل هذه القرارات “معادية” و"منحازة"، وأعلنت عن تجاهلها لها.

المقدسيون يصمدون في وجه التنقيبات

وفي مواجهة هذه التنقيبات الأثرية التي تهدف إلى تغيير هوية المدينة والمسجد الأقصى، يصمد المقدسيون والمصلون والحراس والأوقاف، ويحاولون منع أو تعطيل أو كشف أي محاولة للتلاعب بالتاريخ والتراث.

وقد شهدت المدينة عدة مظاهرات واحتجاجات ومواجهات مع قوات الاحتلال، التي تحاول حماية "سلطة الآثار" والجمعيات الاستيطانية، وتعتدي على المقدسيين وتعتقلهم أو تطردهم من المدينة.

وقد أظهر المقدسيون تصميمًا على الدفاع عن حقوقهم في مدينتهم، والحفاظ على هويتها العربية والإسلامية.

إن التنقيبات الأثرية التي تجريها "سلطة الآثار" تحت المسجد الأقصى بحثًا عن "الهيكل المزعوم" هي جزء من مخطط إسرائيلي لإزالة المكانة الدينية والثقافية والتاريخية للمدينة، ولإثبات ادعاءات زائفة على أرض لا تخصها.

وتشكل هذه التنقيبات خطرًا كبيرًا على المسجد الأقصى، فضلا عن أنها تشوه صورة التاريخ والتراث في مدينة القدس.

وختم د. لؤي أبو السعود حديثه بأنَّ على المجتمع الدولي أن يتخذ موقفًا حازمًا ضد هذه التصرفات، وأن يضغط على إسرائيل لإلغاء قانون ضمَّ القدس إلى إسرائيل، وأن يدعم الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، وأن يحمي حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

كما أكّد على أهمية ثبات المقدسيين والمصلين والحراس والأوقاف على موقفهم ومواصلة صمودهم ومقاومتهم في وجه التنقيبات الهدامة، وأن يحافظوا على هويتهم العربية والإسلامية، وأن يثبتوا أن المسجد الأقصى هو مكان للعبادة للمسلمين فقط، وأنه لا توجد أية علاقة لليهود بالحرم القدسي الشريف.