منال الزعبي - النجاح الإخباري - في خبر صادم ومنظر بشع عثرت عائلة فلسطينية في قطاع غزة على جثمان ابنها "ي- ن" وقد انتحر شنقا، في تزداد حالات الانتحار بشكل لافت في ظل تدهور غير مسبوق للأوضاع المعيشية يعيشه أكثر من 2.2 مليون فلسطيني في القطاع وتشير إحصائيات إلى أن قطاع غزة شهد منذ بداية عام 2020 حتى نهاية شهر تموز/ يوليو 12 حالة انتحار، إضافة إلى محاولات انتحار من 3 إلى 5 يوميًا3. وتؤثر حالات الانتحار سلبًا على صحة المجتمع وسلامته، خصوصًا في ظل انقسام سياسي وحصار إسرائيلي مستمر، حدث محيّر ما الذي يدفع إنسان إلى إنهاء حياته؟
هنا يولد أمل أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء علّها تكشف ما خفي من أسرار، الكل يجمع على أنها كانت لحظة حاسمة بين مشاعر اليأس واتّخاذ القرار بعد عزلة صنعت جريمة، الضحية فيها هي القاتل نفسه.
في حياة البشر مساحة للحزن ومكان لليأس لكن أي يأس ذلك الذي يدفع قرابة مليون إنسان إلى الانتحار كل عام؟! واقع تؤكده تقارير منظمة الصحة العالمية التي تشير أيضًا إلى أنَّ شخصًا يفقد حياته كل 40 ثانية منتحرًا، لأسباب مختلفة منها الاضطرابات النفسية، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية، والنزاعات والعنف والفقدان، والشعور بالعزلة والإقصاء، وأن أكثر من نصف المنتحرين في العالم هم دون سن 45 هي لحظة يهيمن فيها العجز بسبب أمراض نفسية على رأسها الاكتئاب الذي يعاني منه 300 مليون شخص عبر العالم.
أرقام صادمة دفعتنا لفتح ملف الانتحار مع الخبير ورئيس قسم علم النفس في جامعة النجاح الوطنية د. شادي أبو الكباش حول واقع ودوافع الانتحار في فلسطين، التي تعاني ظروفًا اقتصادية واجتماعية وسياسية سيئة فرضها الاحتلال.
الدوافع والأسباب
قال د. شادي أبو الكباش: أولا، يجب أن نفهم أن الانتحار ليس ظاهرة بل مشكلة، وهي مشكلة معقدة ومتعددة الأبعاد. لا يمكن إرجاعها إلى سبب واحد أو عامل واحد، بل هي نتيجة تفاعل بين عوامل شخصية ونفسية واجتماعية وثقافية ودينية وسياسية.
وفقًا لـ د. شادي أبو الكباش، فإنَّ هناك عاملين رئيسيين يؤديان إلى الانتحار، وهما:
- وجود اضطرابات نفسية شديدة عند الفرد، مثل الاكتئاب، الذي يعتبر الانتحار أو محاولات الانتحار أحد أهم أعراضه. فالأفراد الذين يعيشون في ظروف قاهرة ولا يستطيعون التعامل معها وإيجاد حلول، ويواجهون محبطات ومعيقات دائمة في حياتهم، يدخلون في حالة من القلق والوحدة والعزلة وانعدام القيمة والدور. ويصبح لديهم أفكار أكثر تشاؤمية وسوداوية، ويبدأون بعد مرحلة معينة في الانخفاض لمعنى الحياة. فتبدأ محاولات الانتحار في الأول بمجرد أفكار، ثم تتطور إلى تصرفات خطيرة تهدد حياتهم.
- وتعرض الفرد لضغط اجتماعي قهري كبير، بسبب مواقف أو ظروف صادمة أو مؤلمة، مثل الاعتداء أو الاغتصاب أو التنمر أو السفاح أو زنا المحارم أو غيرها من المشكلات التي تؤثر على سلامته وكرامته. فلا يجد الفرد منفذًا للتعبير عن مشاعره أو طلب المساعدة، ولا يجد دعمًا اجتماعيًا أو نفسيًا من المحيط، فقد يقرر على إثر ذلك إنهاء حياته كوسيلة للهروب من المشكلة أو لحماية نفسه.
علامات التحذير من الانتحار
وأكّد أبو الكباش أنه بالإضافة إلى أسباب الانتحار، هناك بعض العلامات التحذيرية التي يمكن أن تدل على أن شخصًا مقربًا في المحيط قد يكون يفكر في الانتحار، والتي يجب على الأهل والمؤسسات والمدارس التنبه لها، وهي:
تغير جذري في شخصية الفرد نفسه، حيث ينتقل من شخص متفاعل ونشط ولديه علاقات جيدة مع الآخرين إلى شخص منطوٍ وسلبي ومنعزل عن المجتمع. فقد يرفض المشاركة في الأنشطة المشتركة مع الأهل أو الأصدقاء، أو حضور المناسبات الاجتماعية، أو التواصل مع الآخرين، وقد يظهر عليه أيضأ ما يلي:
- تغير في المزاج أو في الاهتمامات أو في الأداء حيث قد يظهر علامات على الحزن واليأس والضيق والضجر والانزعاج والعصبية والعدوانية. أو قد يفقد الاهتمام بالأشياء التي كان يحبها أو يستمتع بها، أو قد ينخفض أداؤه في الدراسة أو العمل أو الرياضة.
- تغير في عادات الفرد الصحية أو النومية أو الغذائية، حيث قد يصاب بالإرهاق والتعب والألم والصداع والأرق والنوم المفرط. أو قد يفقد الشهية أو يزيد منها بشكل غير طبيعي، أو قد يصاب بالنحافة أو السمنة.
- تغير في علاقة الفرد بالآخرين، حيث قد ينسحب من المجتمع ويبتعد عن الأصدقاء والأقارب والزملاء. أو قد يصبح عدائيًا ومتشاجرًا ومتهورًا ومخالفًا للقوانين. أو قد يصبح متطفلاً ومتشبثًا بشخص معين، خصوصًا إذا كان هذا الشخص هو سبب مشكلته.
- تغير في تصرفات الفرد نحو نفسه أو نحو الموت، حيث قد يظهر علامات على التعرض للإيذاء الذاتي، مثل الجروح أو الكدمات أو الحروق. أو قد يظهر علامات على التخطيط للانتحار، مثل جمع المخدرات أو السلاح أو المادة السامة. أو قد يظهر علامات على التوديع من الآخرين، مثل إعطاء هديته المفضلة أو كتابة رسالة انتحار.
مشكلة مجتمع
وأضاف أبو الكباش أن الانتحار ليس مشكلة فردية فقط، بل مشكلة مجتمع بأكمله. يجب على جميع المستويات المعنية بالحياة الإنسانية أن تتحمل مسؤوليتها في التصدي لهذه المشكلة والحد منها. من جانب الأسرة، يجب أن تكون حريصة على رصد سلوكيات ومشاعر وأفكار أفرادها، خصوصا الأطفال والشباب، وأن تقدم لهم الدعم والحب والثقة والتقدير والإشادة. يجب أن تكون قادرة على إنشاء بيئة صحية وآمنة ومحبة داخل المنزل، وأن تتجنب الصراعات والخلافات والعنف والإهمال. يجب أن تتعامل مع المشكلات بحكمة وصبر، وأن تطلب المساعدة المهنية عند الضرورة.”
20% نسبة الاكتئاب عند الشباب في المجتمع الفلسطيني، كيف نساعدهم؟
وتحدث د. أبو الكباش عن طرق مساعدة الأشخاص المقربين الذين يعانون من الاكتئاب والأفكار الانتحارية، سواء كانوا مراهقين أو بالغين. وأكد على ضرورة توجيههم مباشرة لجهة مهنية متخصصة في المجال العلاج النفسي، لأن هذا الجواب لا يستطيع أحد غير المتخصص أن يجيب عليه.
وأشار إلى أن هناك بعض النصائح التي يمكن للشخص اتباعها إذا بدأ يشعر بتغير في حالته النفسية، مثل الانتباه للصحة، وممارسة الرياضة، والتعرف على أشخاص جدد، والسفر، وممارسة التنفس الصحيح، والترفيه عن النفس، ومخالطة السعداء.
وقال إذا لم تجدِ هذه النصائح نفعًا، فعليك مراجعة متخصص يساعدك في التفريغ النفسي والحصول على السلام والهدوء.
وأضاف أن الناس لا تتقبل فكرة العلاج النفسي، وأن هذا خطأ كبير، لأن العلاج النفسي والإرشاد النفسي في غاية الأهمية للتغلب على المشكلات التوافقية والتكيفية التي قد تؤدي إلى حالات من القلق والكآبة. وذكر أن دراسة للصحة الفلسطينية أظهرت أن نسبة الاكتئاب عند الشباب تصل إلى 20%، وهي نسبة مخيفة. وحذر من خطورة التفكير بالانتحار، وقال إذا حاول 2% من هؤلاء الانتحار، فإننا أمام كارثة.
ودعا إلى رفع الوعي والتوجه إلى المعالج النفسي، الذي يخلصك مما تعانيه من ضغط نفسي قد يتفاقم ويؤدي إلى طريق مسدود.
وجهة نظر الدين:
الانتحار في الإسلام حكمه وأسبابه وطرق الوقاية منه
وتحدث د. أحمد شرف، الداعية و المحاضر في كلية الشريعة في جامعة النجاح الوطنية، عن موضوع الانتحار في الإسلام، وأوضح حكمه وأسبابه وطرق الوقاية منه. وقال إن الانتحار محرم ومن الكبائر بل من أكبر الكبائر، وذلك بناء على الآيات والأحاديث الشريفة التي نهت عن قتل النفس، وأخبرت عن عذاب المنتحر يوم القيامة.
وأضاف أن المنتحر لا يخرج عن الملة، بل يبقى تحت مشيئة الله تعالى، إذا كان مسلمًا ملتزمًا بالإسلام، وأنه لا بأس أن ندعو له ونترحم عليه ونتصدق عنه، لعل الله يغفر له ويرحمه.
وذكر أن أسباب الانتحار كثيرة، وأولها ضعف الإيمان بالله عز وجل، فالمؤمن لا ييأس من رحمة ربه، ولا يستسلم للظروف المؤلمة، بل يصبر ويشكر ويتوكل على الله.
وأشار د. شرف إلى أن من أسباب الانتحار أيضًا: المرض النفسي، والسحر، وتعاطي المخدرات، والمشاكل العائلية، والألعاب المؤثرة سلبًا على الأطفال، والأمراض المزمنة، والفراغ الروحي.
وفي حديثه عن الوسائل والطرق التي يمكن من خلالها التصدي لظاهرة الانتحار والوقاية منها في المجتمعات المسلمة، أكد على أهمية التربية الصحيحة للأطفال والشباب على حب الله ورسوله والقرآن، وعلى مراقبة سلوكهم وأنشطتهم ومشاهداتهم، وعلى إشغالهم بالأشياء النافعة والترفيهية.
وأشار إلى أن المجتمع يجب أن يكون حساسًا للمصابين بالضغط النفسي، وأن يوجههم إلى المختصين في حالة شعورهم بأي خطورة على حياتهم أو حياة غيرهم. وقال إن المجتمع المسلم لا يزال بعيدًا عن ظاهرة الانتحار، لكن يجب ألا نستهين بهذه المشكلة، وألا نغض الطرف عن أسبابها.
وحول حقوق المنتحر على أهله وذويه، وكيف يجب التعامل مع جثته وجنازته وقبره. قال إن المنتحر يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، لأنه ليس بكافر، بل يبقى تحت مشيئة الله تعالى. وأضاف أن على أهله أن يكثروا من الدعاء والصدقة عن روحه، وأن يكثروا من عمل الخير عن روحه، لعل الله يغفر له ويرحمه.
وختم د. شرف حديثه بدعوة المجتمع إلى رعاية المصابين بالضغط النفسي، وإلى التوجه إلى المختصين في حالة شعورهم بأي خطورة على حياتهم أو حياة غيرهم.
ويبقى الانتحار غموض الحياة والموت، في ظلال المقابر التي تشهد على نهاية الحياة الطبيعية، هنا يعلو ضجيج أسئلة أزلية حول الانتحار، تبحث عن السبب والمعنى. لماذا تتنكر النفس البشرية لغريزة البقاء، وتختار الرحيل بمحض إرادتها؟ يضعون نهايات سوداوية تترك ندوبًا لا تشفى في صدور المحبين، وغصة لا تزول، حين يتجاوزون حدود الحياة إلى الموت، أما الإجابة الحقيقة عند من اختار السبات، لكن منذ متى يبوح الأموات!