منال الزعبي - النجاح الإخباري - بعد أقل من شهرين على ارتفاع حقيقي بالأسعار، استياء يعم الشارع الفلسطيني حول استمرار غلاء الأسعار الذي طال مجموعة من السلع الاستهلاكية، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها فلسطين انعكاسا لمؤشرات اقتصادية، توضح أنَّ غلاء المعيشة في فلسطين أعلى مما كان عليه قبل جائحة كورونا. 

أسباب وتوضيح

وتوضيحًا للأمر قال مدير دائرة الأبحاث في معهد الأبحاث السياسية والاقتصادية "ماس" الدكتور رابح مرار، إن رفع الأسعار طرأ على ست سلع بينها العصائر والسجائر، وجاء بقرار إسرائيلي مؤكدًا على أنَّ الضريبة بشكل أساسي على الشراء وليس على التعرفة الجمركية، وبذلك تشمل السلع المستوردة والمصنعة محليًّا، فيما يتعلق بالمنتجات.
وأوضح "مرار" أن هذه الزيادة في الأسعار خاضعة  لتوجه عالمي لفرض الضريبة على المنتجات التي تحتوي على السكر، حيث تسمى في الخارج "ضريبة السكر"، مفيدًا بأنَّ الدول الخارجية تستخدم العوائد المالية من رفع الجمارك لتمويل الخدمات الصحية وأمراض السمنة والسكري.

قرار أحدث بلبة وضجة في الأسواق وتصدر مواقع التواصل الاجتماعي التي تعبّر عن آراء الناس وتعكس أحوالهم، كما أنه فتح الباب للكثير من التجار بالتلاعب بالأسعار ورفعها وفق أهوائهم.
وزارة المالية أصدرت بيانا توضيحيًّا الثلاثاء الماضي بخصوص التعديلات على التعرفة الجمركية على بعض السلع من قبل الاحتلال.

 


وقالت المالية في بيانها "صدر قرار من قبل الجانب الإسرائيلي في شهر تشرين الثاني من عام 2021 بتعديل التعرفة الجمركية بزيادة ضريبة الشراء على سلع محددة والذي أصبح نافذًا مع بداية هذا العام، لذلك بدأ الجانب الاسرائيلي بتطبيق التعرفة الجمركية بنسبها المعدّلة على السلع المستوردة والسلع المنتجة في الأسواق الفلسطينية التي يتم بيعها في السوق الإسرائيلي وهي (المشروبات الغازية، مشروبات الطاقة، العصائر المحلاة، مركّزات العصائر والمشروبات التي تحتوي على سكر، أدوات مائدة بلاستيكية)". 

ويرى خبراء في الاقتصاد الفلسطيني أنَّ الاقتصاد الفلسطيني اقتصاد حر ولا يسمح باحتكار السلع الأساسية وغير الأساسية وعلى الجهات المسؤولة التدخل إذا قام شخص بتحديد كمية السلع من باب الاحتكار. 

الخبير الاقتصادي د.طارق الحاج  أرجع أسباب غلاء الأسعار لكونها ظاهرة عالمية، حيث يتم استيراد السلع من بلدها متضخمة.

وحول غلاء الأسعار الذي يتم الحديث عنه قال لـ"النجاح": إنَّ البيع والشراء محكوم بأخلاقيات ورقابة وعدم وجود رقابة جدية وحقيقية فيما يتعلق بالتحكم بالأسعار، يؤدي إلى خلل، وليس هناك تدخل مباشر للحد من الغلاء الحاصل فكل تاجر في فلسطين منتج أم مستورد استغل الظرف العالمي في الارتفاع الطبيعي ورفع الأسعار في ظل غياب منظمات ومؤسسات المجتمع المدني التي من واجبها الدفاع عن لقمة عيش المواطنين".

كما نوّه إلى أنه وليس هناك وزارات ذات شأن لضبط السوق الفلسطيني والتحكم بالسلع الأساسية سواء استهلاكية أو خدماتية ومنع الاحتكار.

واقترح الحاج أن تكون القوانين رادعة تمنع الاحتكار وتخالف كل من لا يشهر السعر، وأن تخفف الحكومات العبء عن دخل المواطن بتقليل الضرائب والرسوم، وفتح آفاق الاستثمار التي تخلق فرص العمل وتضاعف الدخل فينتعش الاقتصاد.
وقال "الحاج": "إنَّ معاناة المواطن الفلسطيني لا تقتصر على ما ينفقه على السلع التي تصعد على سلم الغلاء بل أنَّ جيبه مرصود من قبل الرسوم والضراب الآخذة بالارتفاع منذ بداية جائحة كورونا". 
ولفت إلى أن الارتفاع على البلاستيكيات ارتفع بما يقارب 300% وبالتالي تم رفع أسعار الكثير من السلع المعتمدة على البلاستيك، بالإضافة إلى التصرّف الفردي من التجار والمؤسسات التي ركبت الموجة.

أين دور حماية المستهلك؟

بدورها حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد أوضحت أنَّ الارتفاع لم يفرض إلا على المشروبات، وتبدأ الشهر القادم، أما باقي السلع فلم يطرأ عليها ارتفاع، ولفتت إلى أنَّ هناك احتمالية تغيير القرار بين ليلة وضحاها.
وقال مدير عام حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد ابراهيم القاضي: إن الثقل يزداد يوما بعد يوم على المواطن  وأنَّ هناك بعض التجار يحاولون التلاعب بالأسعار ورفعها، داعيا المواطنين للتواصل على رقم 129والتبليغ من خلال  خط الشكاوي والبلاغات كما أنَّ الطواقم في الميدان لحماية المستهلك من جشع التجار.
وقالت د. فيحاء البحش رئيسة جمعية حماية المستهلك: "إن السوق الفلسطيني سوق حر منظَّم قائم على المنافسة يهدف لجذب المستثمرين وكسر ما يسمى بالاحتكار بالمجالات كافة".
وأضافت: "كان هناك ارتفاعات على مستوى الأسعار السابقة مقارنة بأسعارها الحقيقية حوالي 15% وبعضها 30% وجزء آخر 35% في تفاوت محلوظ عن العام الماضي، وما يجري من اختلافات في الأسعار أثر على المواطن بشكل سلبي".
وأكَّدت البحش على أنَّ هناك تواجد لجمعيات حماية المستهلك والجهات الضبطية لملاحقة التلاعب بالأسعار إلا أنَّ هناك بعض التجاوزات القائمة على أفراد.
واستطلع النجاح الإخباري آراء الناس في جولة استهدفت سوق مدينة نابلس، حيث أجمعت الآراء على حالة من العشوائية والضبابية، وتصرف التجار عل أهوائهم، كما تعالت صرخاتهم بأدب واستهدفت صانعي القرار، تلح على مسامعهم بحاجة شعب بات معلَّقًا بحبل على حافة الهاوية. 
أحد المارّين قال: "لم يعد هناك عيش كريم، العمل في الداخل لفلسطيني بات الملاذ الوحيد لنا كشباب، فمتطلبات الحياة ترهق كاهلنا وتؤخّر استقرارنا إذا كان هناك استقرار".
أحد التجار قال: "إنَّ الارتفاع الحقيقي كان قبل شهرين وهو منطقي بسبب زيادة تكاليف الاستيراد والشحن، وارتفاع الضرائب على التجار، وبعض المنتجات قلّت في السوق فزاد الطلب عليها وهذا يؤدي بشكل طبيعي لرفع الأسعار". 

تأثير الأحداث العالمية
عالميا من المعروف أنَّ قلة العرض مقابل زيادة الطلب تؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وزاد من حدة هذا الارتفاع خلال جائحة كورونا انقطاع سلاسل التوريد وزيادة تكاليف النقل والتأمينات. ويزيد الطين بلة ارتفاع أسعار الغاز والنفط وحزمات الدعم المالي ومعدلات الفائدة المتدنية وسياسات التيسير الكمي للنقد في الدول الصناعية الغربية وخاصة في الولايات المتحدة التي تطبع المزيد من الدولارات غير المغطاة بالسلع. ولا ننسى أيضا الدور الذي تلعبه التوترات السياسية في ذلك، لاسيما بين المعسكر الغربي وكل من روسيا والصين.
ويصاحب هذه التوترات فرض عقوبات اقتصادية متبادلة والتوجه إلى تخزين السلع بشكل يؤدي إلى زيادة أسعارها.

في هذا السياق يتوقع مسح أجراء الاحتياطي الفيدرالي/ البنك المركزي الأمريكي أن يصل معدل ارتفاع الأسعار لمختلف السلع إلى حوالي 6 بالمائة خلال العام المقبل 2022. وفي بلدان الاتحاد الأوروبي والصين تزداد المخاوف من نقص السلع وارتفاع أسعارها.
أما المواطن الفلسطيني محدود الدخل الذي يشتكي غلاءً طال أسعار الدواجن والخضار والفواكه، وفتح الباب للتجار بالتلاعب بالأسعار وفق أهوائهم، فهو طرف ضعيف ومكشوف الظهر بلا جسم مؤسساتي يحميه أو يقف معه.