شبكة النجاح الإعلامية - النجاح الإخباري - نابلس، مدينة مختلفة بطقوسها، ولهجتها، وحضارتها، عراقة تلتفك أينما تجوّلت في أزقتها، حتى تقف أمام مقهى بعبق الماضي، يروي قصصًا تاريخية مرتبطة بأجيال كثيرة، في زوايا المكان، وعند تأملك كل ما فيه، سينقلك للزمن الجميل، تشتم رائحته تفوح الجدران القديمة والكراسي العتيقة والطاولات التي حملت على ظهرها أحداث السنون وأحاديثها الجميلة.
إنه مقهى الميناوي، الذي يتربع في قلب مدينة نابلس، تأسس كمحل للبليادرو عام 1928م مقابل بنك بانجلز الشهير قبل أن يتحول إلى مقهى.
على ناصية شارع حطين يستدرجك صوت أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، فتجد مجموعة من كبار السن يعتكفون في ملجأهم الوحيد، يعيشون أجواءهم منعزلين عن عالم مجنون، أصابه التسارع حتى غابت التفاصيل، يستذكرون أجمل الأيام، يلعبون الطاولة، ويأخذون رشفة قهوة بين الضربة والأخرى.
عشرة عقود لم تستطع أن تزيل ما ضم المقهى من ذكريات وأحاديث تاريخية، يحدثنا يروي العالم أبو سلطان ميناوي (70) عاماً لـ"النجاح" الشخصيات التي كانت ترداد المكان وعن جلوس الشعراء والأدباء من جامعة النجاح الوطنية والمحاضرين مثل عبد اللطيف عقل وعادل القسطة في هذا المقهى العريق.
ويتحدث أبو سلطان بنظرة متفحصة للمقهى بقوله "ماضٍ عريق ومستقبل مجهول"، وعن معنى كلامه أضاف: "توارثناها أبًّا عن جد، لكنّ أبناءنا خرجوا عن هذه المهنة".
ولا يزال المقهى متمسكًا ببساطته ميّزته وأعطته نكهة مختلفة، فالكراسي منذ عام 1953م، كما أنَّ بعض الأراجيل تعود لأربعينيات القرن الماضي، ويفضل الميناوي الاحتفاظ بكلّ قطعة قديمة ولا يفكر بالتّخلص منها.
ويقدم الميناوي في مقهاه المتواضع القهوة والشاي والزهورات وعصير ليمون، ويعتمد المقهى على الجلسات الشعبية، وتمَّ إدخال المعسل إلى المقهى لتلبية أذواق الزبائن واستقطاب زبائن جدد مع تطور الأراجيل.
وذكر الميناوي عدة مقاهي مشابهة لمقهى الميناوي مثل " الهموز، الشيخ قاسم، عليوي"، لكن ما يميّز هذا المقهى هو قصصه النضاليّة حيث كان كلّ شيء أجمل بكثير مما أصبح عليه اليوم.
ولا يرغب أبو سلطان بتطوير المقهى تكنولوجياً كإضافة شبكات الإنترنت، بل يسعى للحفاظ على رونق المقهى، لتظل موسيقى الطرب الأصيل تضج بين جدرانه فيقع صداها في وجدان الأجيال، تلك الجدران تحمل على عاتقها صورًا قديمة لمدينة نابلس وشخصيات بارزة، وتضم صورًا لفيلم عيون الحرامية داخل المقهى.
الميناوي في مقارنة بين الماضي والحاضر يروي أنَّ رواد المقهى من كبار السن في الوقت الذي كان المكان يحتاج أربعة عاملين يستطيع اليوم إدارته وحده، حيث يتناقص العدد يومًا بعد يوم كلما خطف الموت أحدهم، ليظلّ مكانه فارغًا، أما الشباب فأصبحوا يفضلون المقاهي الحديثة نظراً لخدماتها المتطورة لكن مقهى الميناوي سيبقى محتفظاً باسمه مقهى وليس "كوفي شوب".