نابلس - الأناضول - النجاح الإخباري - لم يبقَ شيء على حاله في قرية "حمصة الفوقا" الفلسطينية بعد أن "أزالها الاحتلال الإسرائيلي عن الوجود"، إلا بعضا من بقايا صفيح تبحث عائلة أبو كرش في ثناياه عما يمكن استصلاحه ليأويها وأطفالها.
وبعد أكبر عملية هدم "إسرائيلية" منذ سنوات أصبح 73 شخصًا بينهم 41 طفلًا بلا مأوى، ومنهم أطفال السيدة الفلسطينية أنصار أبو كباش (27 عاما).
"أنصار" لا تفكر بشيء حاليا سوى إيواء أطفالها الثلاثة، بعد أن هدم جيش الاحتلال "الإسرائيلي" منزلها، الثلاثاء، في خربة (قرية صغيرة) "حمصة الفوقا" بالأغوار الشمالية في الضفة الغربية المحتلة.
عائلة "أبو كباش" تعيش الآن في خيمة جاءتهم إغاثة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يحيطها عدد من ألواح الصفيح والأحجار والخيام المهدمة.
تحتضن الأم طفلتها هديل (شهران)، وبجوارها إسماعيل (3 أعوام)، ومحمد (عامان)، وتتساءل بحسرة: "أيعقل أن تبقى هذه الطفلة بلا مأوى؟ ما الذنب الذي اقترفته؟". وفي حديثها الذي أجرته الأم مع وكالة "الأناضول"، على أنقاض منزلها المدمر تقول: "لم يبق لنا شيء يأوينا، ليلة الهدم أمضيناها تحت المطر". وتصف لحظة الهدم: "في البداية شعرت أنني أشاهد كابوسا، لكن الأمر حقيقي. كل شيء انهار. لم يتبق أي شيء من مقتنياتنا".
تقطع حديثها وتشير إلى طفلها إسماعيل قائلة: "عندما شاهد الهدم والعنف الإسرائيلي بدأ بالصياح. لم أشاهده من قبل بهذه الحالة".
يلهو "إسماعيل" في الأرجاء بعد أن هدأت الأم من روعه، ويمسك دراجة هوائية ويجرها نحو خيمة تأويه وجدته عائشة السبعينية.
الجدة التي تعيش في الخربة منذ 40 عاما تبدو حزينة "لأنهم سرقوا منا الطمأنينة وكل شيء، ويسعون إلى تهجيرنا والسيطرة على أراضينا لصالح مشاريع استيطانية".
وللسيدة السبعينية خمسة أحفاد تقول إن أصغرهم بعمر يومين، اضطر للنزوح إلى قرية أخواله القريبة، بعد أن باتت الخربة خاوية. بلا مأوى.
"ياسر أبو كباش" (47 عاما) أحد السكان الذين يعيشون في القرية "أبا عن جد"، وله سبعة أبناء، تعرض بيته كما بقية المنازل للهدم، لكنه يصر على البقاء والصمود كما: "إنهم يعيشون ظروفا صعبة إثر عملية الهدم التي يعتبرها "تنفيذا لمخطط الضم الإسرائيلي للضفة الغربية".
ويضيف أبو كباش أن "هذا الاحتلال وقح، جاء وهدم المساكن في وقت حرج، وترك الأطفال وكبار السن بلا مأوى تحت المطر والبرد القارص".
"تم هدم البنية التحتية بالكامل من مساكن ومنشآت تستخدم لتربية الأغنام، وخلايا شمسية لتوليد الطاقة" يقول أبو كباش قبل أن يضيف: "الاحتلال "الإسرائيلي" يحاول دفع السكان للهجرة القسرية".
ويستطرد: "الجيش يستخدم طرقا عدة للتنغيص على السكان، بينها عمليات الإخلاء بحجة القيام بتدريبات عسكرية بالذخيرة الحية، وحرق محاصيل زراعية، ومصادرة مركبات، وعمليات هدم".
وبينما هو يتحدث، أشار إلى بئر مياه ارتوازي قريب من التجمع، وقال: "يستخرجون المياه من أراضينا لصالح المستوطنات الإسرائيلية، ومشاريعهم الاستيطانية، ونحن نمنع من الحصول حتى على مياه الشرب".
وتفتقر الخربة لأدنى مقومات الحياة، ومن أجل الوصول إليها ينبغي المرور عبر طرق ترابية بين سهول زراعية، وهي قرية بدائية يعمل سكانها في الزراعة وتربية الأغنام.
مسؤول ملف الاستيطان في محافظة طوباس (هيئة رسمية) معتز بشارات، يقول إنها "أوسع عملية هدم إسرائيلية لمنشآت فلسطينية منذ 10 سنوات".
ويضيف أن "قوات الاحتلال أزالت تجمع حمصة عن الوجود، وشردت سكانه"، مؤكدا أنه "قائم منذ أكثر من 40 عاما، ويعمل سكانه في تربية الثروة الحيوانية".
ويلفت إلى أن سلطات الاحتلال تتذرع بإقامته في "منطقة عسكرية" ضمن المنطقة المصنفة "ج"، الخاضعة لسيطرة إسرائيلية كاملة وفق اتفاقية أوسلو الثانية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل (1995).
القرية التي كان يسكنها نحو 73 فلسطينيا، في بيوت من الصفيح، في الأغوار الشمالية، تتوسط سهول زراعية، تعد واحدة من أخصب أراضي الضفة الغربية.
و"حمصة" واحدة من 38 تجمعًا بدويًا ورعويًا، تقع بكاملها أو في جزء منها داخل مناطق تعلن عنها إسرائيل باعتبارها مناطق إطلاق نار، وفق إيفون هيلي، المنسقة الإنسانية للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة.
واعتبرت في تصريح مكتوب، أن "عمليات الهدم مخالفة جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة"، مشيرة إلى أن السلطات "الإسرائيلية" هدمت 689 مبنًى فلسطينيا منذ بداية العام الجاري 2020.
إدانة دولية
وحظي هدم القرية بتعاطف وإدانة من قبل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، حيث شهدت زيارة لرؤساء بعثات وممثلين للوقوف على الدمار الذي خلفته الجرافات الإسرائيلية، مطالبين "إسرائيل" بوقف عمليات الهدم وتعويض المتضررين.
ويتعرض سكان الأغوار الفلسطينية بشكل دائم، لهدم منازلهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم من قبل الجيش الإسرائيلي بشكل متواصل.
وأعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مرارا، أن حكومته تعتزم ضم مناطق واسعة بالضفة الغربية لإسرائيل، بما فيها الأغوار بالضفة الغربية.
وتبلغ مساحة منطقة الأغوار نحو 1.6 مليون دونم (الدونم ألف متر مربع)، ويقطن فيها نحو 13 ألف مستوطن إسرائيلي في 38 مستوطنة، في حين يسكن نحو 65 ألف فلسطيني في 34 تجمعا.