نابلس - خاص - النجاح الإخباري - شكل قرار دولة فلسطين الاعتذار عن رئاسة الدورة الحالية لجامعة الدول العربية، على خلفية رفض الجامعة تبين قرار المشروع الفلسطيني بإدانة التطبيع مع "إسرائيل" واعتذار ست دول عن ترؤسها، نقطة مفصلية في مكانة الجامعة العربية كإطار جامع للعرب، في الوقت الذي يرى فيه مراقبون فلسطينيون أن الجامعة العربية أصبحت فيها الخلافات كبيرة وتحكمها مصالح الدول الشخصية، وتخلت عن ميثاقها الذي أنشأت من أجله.
يشار إلى أن فكرة إنشاء جامعة الدول العربية هي فكرة عربية أصيلة نشأت من حراك قومي ورغبة في لم كيان الدول العربية في فترة مقاومة الاستعمار الغربي وذلك في مطلع القرن العشرين، وفي 22 آذار/مارس 1945 جاء التأسيس العملي للجامعة، حيث التوقيع على الصيغة النهائية لنص "ميثاق جامعة الدول العـربية" من قبل رؤساء حكومات خمس دول عربية هي لبنان ومصر والعراق وشرق الأردن وسوريا والسعودية. وشهد اليوم ذاته اختيار عبد الرحمن عزام أميناً عاماً للجامعة ليكون أول أمين عام في تاريخ الجامعة العربية وتولى المنصب إلى سنة 1952.
محنة كبيرة تمر بها
وأكد د. نبيل شعث، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن الجامعة العربية تمر بمحنة كبيرة وقد مرت بمثل هذه المحن من قبل، وذلك لانعكاس الاوضاع العربية ذاتها، لافتاً إلى أن ما تمر به الجامعة العربية الآن ربما لعدم وجود زعيم عربي قوي.
وقال شعث في تصريحٍ خاص لـ"النجاح الاخباري": "ليس هناك زعيم عربي قوي مثل جمال عبد الناصر وغيره من الزعماء الأشداء ومن مروا على هذه الأمة من حكام أقوياء، وليس هناك توحد لا داخل الدول العربية ولا بين شعوبها، وهناك حروب أهلية داخلية في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وكل ذلك ينعكس على الوضع العربي".
وأضاف أن "الخنوع العربي على هذه الهيمنة الامريكية لدونالد ترامب هي من أضعفت دور الجامعة العربية في وقتنا الحاضر، وعلينا ان نتفهم هذا الوضع ونأخذ ذلك في الاعتبار وأن لا نقبل به ونحتج عليه ونرفض الانصياع له"، مشدداً على أن دولة فلسطين لن تنسحب من الجامعة العربية ولن تشجع أحداً من الانسحاب منها.
وأشار شعث إلى أن الجامعة العربية مرّت بأحداث مثل هذه الاحداث، واستطاعت تدريجياً أن تتغلب عليها بتطور الأوضاع داخل الدول العربية ايجابيا، موضحاً أنه " علينا ان نصمد وأن نتوحد ونحاول كل جهدنا ان تعود الجامعة العربية إلى مكانتها التي تفتقدها هذه المرحلة".
وأكد أن هناك تراجع في الموقف العربي بشكل عام، لأن هناك تراجع داخل الدول العربية وداخل حكوماتها وشعوبها، لذلك نحن ندرك المحنة التي تمر بها أمتنا وهذا ما يشجع أعدائنا، لافتاً إلى أن الفلسطينيين لا يستطيعون تغيير هذا كله خصوصاً أنهم يواجهون دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة بأنفسهم.
انقسام داخل الجامعة العربية
من جهته، يرى القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أحمد المدلل، أنه من الطبيعي أن تعيش الجامعة العربية هذا الترهل وهذا الانقسام في مواقفها، موضحاً أن هذا الانقسام داخل الجامعة العربية جاء نتيجة مواقفها تجاه قضية فلسطين وهي تخليها عنها.
وأوضح المدلل في حديثه لـ"النجاح الاخباري" أنه على الأمين العام لجامعة الدول العربية أن يؤكد بأن الجامعة العربية تحتضن وتدافع عن القضية الفلسطينية ولا تزال القضية المركزية للجامعة وللدول الاعضاء فيها، وعليه أن يبقى متمسكا بالقرار العربي السابق برئاسة الخرطوم بعدم الاعتراف والصلح وأي سلام مع العدو الصهيوني، لأن أي معاهدة مع العدو تضر بالقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وشدد المدلل على ضرورة عودة الجامعة إلى مبادئها الاولى برفض التطبيع مع الاحتلال، وهذا طوق النجاة لأن تبقى الجامعة العربية قوية، مؤكداً في ذات الوقت أن تخلِي الجامعة العربية عن مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية فلا فائدة من استمرارها.
وعلّل تراجع دور الجامعة العربية نتيجة الهيمنة "الصهيو أمريكية" على قرارات بعض الانظمة العربية وتخليها عن مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية وإعطاء الشرعية للعدو الإسرائيلي على أرض فلسطين، وعدم وجود قرار دفاعي مشترك لدى الجامعة العربية تجاه قضية فلسطين، لافتاً إلى أن ما يوحد العرب هي القضية الفلسطينية ومواجهة الجرائم "الصهيو أمريكية" ضد الامة العربية والشعب الفلسطيني.
وأضاف القيادي في الجهاد الاسلامي: " الوقوف في وجه صفقة القرن التي يجب أن ترفضها الجامعة العربية رفضاً قاطعاً، لأنها صفقة جاءت لتصفية القضية الفلسطينية، والجامعة العربية أُسست من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية"، منوهاً إلى أن الجامعة العربية في هذه المرحلة لم تؤدي دورها المنوط بها في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
وتابع: " اذا دورها دور محدد ومعروف وهي يجب أن تعمل باتجاه القضية الفلسطينية"، مستدركاً " لكن عندما تتخلى عن القضية الفلسطينية وتعطي الضوء الأخضر للأنظمة العربية بأن تطبع مع العدو الصهيوني وتعطيه الشرعية كما هو الدور الذي يمكن ان تقوم به الجامعة العربية بعد ذلك يُصبح هناك اشكالية في شرعية استمرار الجامعة العربية"، وفق قول المدلل.
مؤسسة عربية جامعة
في ذات السياق، أكد الناطق باسم حركة حماس، حازم قاسم، أن حركته استنكرت موقف الجامعة العربية من تطبيع الدول العربية مع الاحتلال الإسرائيلي، واعتبرته تراجع حقيقي بدور الجامعة العربية المفترض ان تقوم به.
وقال قاسم لـ "النجاح الاخباري": إن "ميثاق تأسيس الجامعة العربية وأحد البنود المهمة التي وضعت في تأسيسها، هي أن اعتبار الشعب الفلسطيني شعب عربي من حقه أن يعيش بحرية ويجب دعم هذا الشعب"، مشيراً إلى أن عدم قدرة الجامعة العربية ليست فقط في ادانة موضوع التطبيع يمس واحدة من أهم أدوارها وركائز قيامها وهذا امر مؤسف جداً.
وأضاف: إن " من واجب الجامعة القيام بدورها الحقيقي المناط بها وهو أن تقف وقفة اسناد حقيقي لحقوق شعبنا الفلسطيني الأساسية، وأن تستنكر أي مسار أو اتفاق ينتقص من هذه الحقوق، وان تعلن رفضها لكل اتفاقيات التطبيع ولصفقة القرن وتعلن اسنادا حقيقياً للموقف الفلسطيني ودعما لأهله وشعبه وليس فقط ان تسكت وتسقط قرارات تنقص الحق الفلسطيني".
وتابع قاسم: إن "الأمة العربية أمة واحدة كل الاستطلاعات والمؤشرات تقول أن الشعوب العربية كلها ترفض مسار التطبيع مع الاحتلال وترى في فلسطين قضيتها المركزية، وبالتالي يجب على الجامعة أن تترجم الموقف الشعبي الجماهيري العربي الرافض لهذا المسار"، مشددً على ضرورة أن يظل للعرب كيان موحد يعبر عن ارادة هذه الشعوب.
وشدد على أنه من الضروري أن نحافظ على كيان موحد للأمة العربية يعبر عن حقيقة ارادات الشعب العربي الداعم للقضية الفلسطينية، معرباً عن أسفه لعدم وجود بديل لمؤسسة تجمع العرب تحت مظلتها، على شرط أن تكون معبرة على توجهات الجمهور العربي خاصة تجاه القضية الفلسطينية.
وجدد الناطق باسم حماس تأكيده على أن الجامعة العربية إذا لم تقم بإسناد الحق الفلسطيني وتستنكر مسارات التطبيع وصفقة القرن وتعلن رفضها الكبير لها وتعلن دعماً حقيقياً لشعبنا الفلسطيني، فهي تفقد واحداً من أهم الأسباب لوجودها كمؤسسة وكيان يجمع العرب.
يجب تغيير اسمها والالتزام بميثاق للجميع
من جهته أحمد عاشور مسؤول ملف الشرق الأوسط سابقاً في الوفد المصرية، أن الجامعة العربية لم تعد البيت الحاضن لكل الأمة العربية، وذلك لموقفها غير المتناغم مع تطلعات الشعوب العربية من التطبيع مع "اسرائيل". لافتاً إلى أن الجامعة خسرت الشعوب العربية، بغض النظر عن أن هناك قلة مؤيدين لخطوة الامارات العربية المتحدة، والبحرين من التطبيع.
وأكد أن الجامعة تعيش حالة من العزلة بعد الانقسامات التي حدثت فيها ورفض العديد من الدول رئاسة دورتها الحالية ومن بينها إحدى الدول التي تتطلع إلى التطبيع مع "إسرائيل" ألا وهي السودان الشقيق.
وجزم عاشور بأن الجامعة العربية توقفت ولن تستطيع أخذ قرار جدي وواضح وصريح بعد الانقسامات التي حدثت نتيجة محاولة تمرير الموافقة على قرار التطبيع مع الاحتلال.
في ظل هذا الانقسام الحاد بين الدول الاعضاء يتوقف عليه عدة أمور أبرزها إعادة هيكلة الجامعة العربية لترتقي إلى طموحات ومتطلبات الشعوب العربية، وليس توافقا مع سياسة الأنظمة العربية كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أن السياسة المقبلة للجامعة يجب أن تكون متوافقة مع القرارات التي صدرت عنها والالتزام بها ورفض تغليب مصالح دول بعينها على الأخرى.
ورأى عاشور أن الحل الأمثل باعتقادي للجامعة العربية هو الذهاب لحلها، وإعادة تشكيلها من جديد وفق رؤية تتوافق مع الشعوب العربية. وفرض ميثاق شرف ملزم لجميع الدول العربية يؤكد التزامها بالقرارات الصادرة عنها وعدم الخروج عنها.
وأعرب عن اعتقاده أنه في حال كان هناك جدية في التغيير يجب أن يتم تغيير الإسم من جامعة إلى اتحاد على غرار الاتحاد الأفريقي أو الاتحاد الاوروبي لكي ينسى المواطن العربي الاخفاقات التي حدثت سواء في الملف الليبي عندما كان عمرو موسى رئيسا لها كما اخفقت في منع التطبيع مع "اسرائيل" وهناك قرار عربي يجرم التطبيع مع "اسرائيل" قبل أن تحل القضية الفلسطينية.
الجامعة العربية تأتمر بأوامر أمريكية
في ذات السياق رأى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور هاني العقاد، أن دور جامعة الدول العربية اليوم أصبح يتعاطى مع المخططات الأمريكية ويساير ما تريده أمريكا في المنطقة، لذلك فقدت أهم دور لها وهو حماية الثوابت العربية وهويتها من الهيمنة.
وقال:" أنه عندما أدركت فلسطين أن الدورة الحالية لجامعة الدول العربية هي دورة تطبيع مع اسرائيل، بعد رفضها إدانة التطبيع الاماراتي والبحريني مع "اسرائيل"، ولم تبادر الجامعة لحماية قرارات 1981، أو مبادرة السلام العربية 2002 أصبحت الجامعة تدخل مرحلة جديدة وهي مرحلة التعاطي مع مفاهيم أمريكية ومعادلات امريكا تفرضها الولايات بإملاءات على الدول العربية. واستبعد العقاد أن تقبل أي دولة عربية ترفض التطبيع برئاسة هذه الدورة بعد أن تخلت عن فلسطين.
واعتبر العقاد، أن جامعة الدول العربية قامت بتحليل ما هو محرم لديها سابقاً، وهو العلاقة العربية مع اسرائيل حيث كانت محرمة ومرتبطة بحل القضية الفلسطينية، ولكن مع التطبيع الاماراتي البحريني أصبح الأمر مختلفاً، بعد أن رفضت الجامعة تبني قرار فلسطين بإدانة التطبيع. واصفاً ما حدث بأنه أكبر هزة تاريخية في عرش الجامعة منذ نشأتها.
وأكد على أنه في حال أرادت الجامعة العربية أن يكون لها دوراً ريادياً عليها أن تخرج بموقف واضح للامة العربية، إما أن ترحب بإسرائيل كعضو في الجامعة وهو أمر غير مقبول، أو ترفض التطبيع وتفرض عقوبات على المطبعين.
وأضاف، أن الجامعة في وضعها الحالي لم تعد جامعة دول عربية وبالتالي ليس لها دور في حماية الهوية العربية ولا التاريخ العربي ولا القرارات المختلفة التي اتخذتها القمم المختلفة. موضحاً أن خارطة التطبيع تقول إن مبادرة السلام العربية قد شيعت لمثواها الاخير وتقول للعرب عظم الله اجركم في جامعة الدول الربية ومبادرة السلام العربية.
وفي ظل إجماع فلسطيني على أن الجامعة العربية أصبحت غير قادرة على الدفاع عن ميثاقها، ومباركتها للتطبيع على حساب الحقوق الفلسطينية، مدعاة لإعادة النظر فيها كونها شكلت ضربة في قرارها الأخير لميثاق نشأتها.