نابلس - منال الزعبي - النجاح الإخباري - الاستسلام هو الموت البطيء على أية حال، مبدأ تبنته الفتاة آية مسعود التي أطلت على الدنيا بلا ذراعين، لتخوض رحلة أثبتت من خلالها أن الإنسان يكتمل بعزيمته وإصراره، وأن الروح أقوى من الجسد.
أن تخوض الحياة بلا ذراعين وتبدع، رحلة لم تكن سهلة فدرب التحديات صعب ومهلك، إلا أن ابنه مدينة غزة آية البالغة (21) عامًا، تجاوزتها منذ نعومة أظفارها يدفعها أهل آمنوا بأن الإنسان ثروة تستحق الاستثمار.
ولأنَّ صاحب الدرب أدرى بتعبه قالت آية لـ"النجاح الإخباري": "في طفولتي ومنذ البداية كنت أشعر بالخجل، أمام نظرات الناس التي تبادر بالبحث عن ذراعيّ، إلا أنني استطعت أن أكسر الحاجز بقناعة، وأجد الجواب الذي يحوّل النقص لكمال يلجم ألسنتهم، ذراعاي سبقتاني للجنة، هكذا كنت أجيب كلَّ سائل".
خطوة بخطوة مدفوعة بالأمل وجدت الشابة آية طريقها للنجاح والتغلب على المعيقات، ساندها أبواها اللذان تبنيا شحنها بالإيجابية والصبر ودرباها على الاستعاضة بالقدمين عن يديها المفقودتين.
الأهل والمعلمات والبيئة الحاضنة كانت دوافع لتواصل آية المسير، إلا أن القدر، اعترض دربها الوعرة من جديد حين خطف الموت والدها، فغص القلب وارتبكت الخطوات وتلعثمت على شفتيها الكلمات فقالت بصوت مبحوح: "حين يموت السند والدعم نوشك على السقوط، كنت في عزّ امتحانات الصف العاشر حين خطف الموت والدي، إلا أنني بالإيمان بالقضاء والقدر والصبر على المحن، تجاوزت بعزيمة أكبر، خاصة أنني جعلت والدي شريكًا بهدف أطمح في الوصول إليه".
وأكملت آية حكايتها، فلم تكتفِ بأن تتساوى مع زميلاتها بالفصل تكتب وتقرأ، بل أرادت أن تتفوق عليهن بالرسم، تفتح من خلاله نافذة على روحها فيخرج فن جميل ولوحات نابضة بالحياة،فأتقنت وتميزت و أضافت: "الرسم من أفضل الطرق التي تعبر عن النفس، الخطوط والألوان والصور الناطقة هي خجات نفس فنان حبس بداخله ألمًا ففاض أملًا".
استطاعت آية أن تمثل نموذجاً يحتذى به في الجد والتحدي، وظلت تقوم بواجباتها المدرسية والامتحانات بأصابع قدميها دون أن تطلب المساعدة من أحد، حتى أنهت المراحل التعليمية بمعدلات مرتفعة وصولا إلى الجامعة حيث درست تخصص الوسائط المتعددة، وهو تخصص يحتاج عشرة أصابع إلا أنها داست كل الصعاب بقدمها حتى تخرجت بمعدل امتياز.
إصرار آية دفع كل من حولها لدعمها، الأستاذ أسامة غانم المشرف على آية قال: "طموحها الكبير وسعيها المتواصل في سبيل هدفها يدفعنا للوقوف معها ودعم جهودها الحثيثة وإبداعها الذي ميزها عن الأخريات".
بنشاط ومثابرة وتفوق وطموح لا محدود سعت آية لكل جديد فأتقنت التطريز، بمساعدة صديقتها المقربة، ناريمان أبو سمرة، التي تمتلك مشغلاً للمطرزات اليدوية، ولم تتوان عن تقديم الدعم والمساندة لآية ودمجتها ضمن طاقم عملها.
فكانت تغرس الإبرة بقدم وتسحبها بالأخرى ناسجة أجمل اللوحات، شعارها أن الجهد المتواصل وليس الذكاء أو القوة هو مفتاح ّإطلاق قدراتنا الكامنة.
رسمت آية الكثير من الشخصيات منها الرئيس ياسرعرفات وأحمد ياسين، وشاركت في مشروع "فلسطينيات" الخاص بالتطريز والتراث الفلسطيني مع مجموعة من النساء.
ولفتت آية إلى أنَّ ما تمر به غزة من ظروف قهر ووجع وفقد تخلل مسيرات العودة، بيئة محفزة للإبداع لدى جيل يرفض الموت، مستذكرة تأثرها باستشهاد المسعفة رزان النجار، والصحفي ياسر مرتجى اللذين جسدتهما من خلال الرسم والتطريز فلاقت أعمالها استحسان المتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
كما تسعى لتنظيم معرض فني في قطاع غزة خلال الفترة المقبلة، تستعرض فيه رسوماتها وأعمالها الفنية، لعلها تحظى بفرصة تمثيل فلسطين في الخارج من خلال المشاركة بمسابقات دولية.
واستكمالا لدرب التحدي تحلم آية بأن يكون لها مشروعها الخاص بالتطريز الفلاحي الفلسطيني، كمشروع ريادي يحقق لها الدخل ويثبت فاعليتها في المجتمع.
ووجهت رسالة لذوي الاحتياجات الخاصة بأنَّ لا مستحيل تحت السماء، وأنَّ شعب غزة شعب طموح يستحق فرصة بالحياة التي يجب أن تبدأ بقلبه أولًا" لكي تكون قويا بما يكفي عليك أن تؤمن بنفسك".
الفن والإبداع يولدان من عمق المحن، وبقدرما تمتحن تنضج إذا وجد الوعي والعزيمة طريقهما إليك.