إسطنبول - محمد داوود - النجاح الإخباري - وسط مدينة إسطنبول وعلى ناصية منطقة تنتشر فيها المحلات العربية السورية والعراقية واليمنية، تفوح رائحة الفلافل الفلسطيني ويزينُ طاولاتٍ يمر عنها الناظرين، أطباق الفول والحمص والفلافل المحمّرة وأطباق الأرز الأصفر والبطاطس المقلية، يغيب عن خاطرك للحظة أنك في إسطنبول، لكن سرعان ما تعيدك الذاكرة إلى بلد جمعت في جنباتها مختلف الثقافات والجاليات، فتلاشت فيها المسافات بين الشرق والغرب، وأصبحت الوجبات الفلسطينية الشعبية، طعاماً يجتمع عليه العرب والأتراك.
"مطعم حمادة"، واحد من المطاعم الفلسطينية الذي يتمركز على ناصية منطقة "أكسراى"، التي تشتهر بانتشار المحلات السورية والعربية فيها، نظراً لسكن الكثير من العائلات العربية التي لجأت إليها في السنوات الأخيرة من قدومهم إلى إسطنبول، وهو ما جعل التواجد العربي المختلف حاضر وبقوة في تلك المناطق من ناحية المساكن، والمطاعم والمصانع وحركة التجارة المتنوعة.
صاحب مطعم حمادة هو المهندس أيمن عقل "أبو حمّاد"، فلسطيني من قطاع غزة ، كان مقيم في السعودية، وقدِم الى إسطنبول منذ عام ونصف، حتى يبدأ مشروعه بافتتاح مطعمه في تلك المنطقة.
يقول أبو حمّاد لمراسل "النجاح الاخباري": "نشأت الفكرة قبل عام تقريباً، اخترنا هذا الموقع في اسطنبول لتمركز الجالية العربية فيه إضافة إلى وجود جالية تركية أيضًا في المنطقة، كان هدفنا إنشاء مطعم فلسطيني بامتياز، وحققنا هذا فعلاً لما ننتجه الآن من وجبات فلسطينية بجودة وسمعة عالية."
ويضيف: "نقدم شاورما فلسطينية وفلافل وحمص إضافة إلى المقبلات، ونعمل كل يوم وجبات فلسطينية متخصصة منها المقلوبة والقدرة والأرز المبهر مع الدجاج، والمنسف والملوخية والبامية، وذلك لهدف واحد، أن عدداً كبيراً من الشباب الفلسطيني في إسطنبول، ممن يأتون من قطاع غزة أو الضفة الغربية أو باقي المدن الفلسطينية، يشتهون ويفتقدون للأكلات الفلسطينية فيجدوا أن هذه الأكلات موجودة في مطعم بنفس جودة البيت.
ويتابع أبو حمّاد: "حرصنا أن نقدم هذه الوجبات بشكل يوميي، ونقوم بالإعلان عنها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لتسهّل على الجميع معرفة الوجبات التي تتوفر لدينا".
وعن أكلة الفلافل وللتأكيد على هوية المطعم أنه فلسطيني يقول "أبو حماد":" بدأنا بعمل الفول والفلافل والحمص كي يعرف الجميع أن المطعم فلسطيني، خاصة أن هذه الكلات هي الأكثر شعبية واقبال لدى الفلسطينيين في إسطنبول، وتعتبر هوية للمطعم، ومن ثم انتقلنا لصناعة الشاورما، والطبخ شيئاً فشيئاً".
وأشار أبو حماد أن ما يميز الفلافل في مطعمه هو أنهم يضعون عليه22 صنفاً من البهارات والمطيبات، يتم شراءها من تركيا وخارجها."
ولفت أبو حماد إلى العنصر الأساسي في نجاحه، وهو ربط جودة المأكولات بالسعر، فلا يوجد أحد يستطيع منافسة "حمادة" بالأسعار، قائلاً: "تأكل أكل بيت بأسعار لا تجدها بأي مطعم وبحيث تكون في متناول الجميع".
وأشار إلى أن زبائن المطعم بعضهم من الأتراك، وهو ما زاد من نجاح للمطعم نظرا لأن اقبال الأتراك على المطاعم العربية والفلسطينية يعد قليلاً، لكنهم يأتون باستمرار إلى مطعم حمادة ويتناولون أكلات الفلافل والحمص.
ويتابع: "يأتي الفلسطينيون والعرب من كل مكان، وأعتز بالشباب الفلسطينيين المصابين الذين يأتون على المطعم رغم بعد مسافة وصولهم، والضرر الذي لحق بهم جراء الأحداث الجارية في غزة، الا أنهم يصرون على الوصول للمطعم حتى يستمتعوا بالوجبات الفلسطينية".
وعن العاملين في المطعم، فيقول أبو حماد إن غالبية العاملين في المطعم هم فلسطينيين، لمساعدة المغتربين منهم على تحمل مصاريف الغربة."
وعن تحضير الشاورما بالطريقة الفلسطينية، يوضح أبو حماد أنه استعان بعاملين سوريين مع التزامهم في التحضير بطريقة الشاورما الفلسطينية، ويؤكد أن من يأتي الى المطعم يجد الغالبية من الشباب الفلسطيني يتحدثون اللهجة الفلسطينية.
ويشدد أبو حماد على أهمية دراسة أي مشروع يتم افتتاحه في مدينة إسطنبول أو في أى مكان، يلي ذلك الاختيار الصحيح للموقع والتوقيت، ويوضح أن مدينة إسطنبول تتميز في استئجار المحال التجارية بما يعرف "خلو القدم" وهذا تكلفته عالية جداً وتصل الى 150 ألف دولار للمحال في بعض المناطق المهمة والمعروفة، لكن اذا عمل الشخص بنهج صحيح وإدارة جيدة يستطيع التغلب على التكلفة ويصبح الأمر تحصيل حاصل.
قصة نجاح أخرى
وفي منطقة الفاتح وعلى مسافة ليست بالبعيدة يستقبل "أبو العبد غراب" زبائنه الفلسطينيين والعرب والأتراك في محله الذي أسماه "قصر النابلسية"، تلك المنطقة التي تحتضن مسجد الفاتح وهو أشهر المساجد في المدينة وأقدمها، وتعد الحارة التي يتواجد بها المحل إحدى حارات إسطنبول التاريخية وتشبه تماماً حارات نابلس القديمة التي يتم فيها صناعة الكنافة النابلسية، وهو ما يخلق جوا جميلا للمغتربين الفلسطينيين ويذكرهم ببلادهم وبطعم الكنافة الفلسطينية الأصلي.
يقول أبو العبد لـ "النجاح الاخباري" وهو من قطاع غزة، أتى إلى إسطنبول منذ سنوات قليلة، أنه استقر على افتتاح محله بالقرب من مسجد الفاتح نظرا لارتفاع تكلفة "الخلو" في مناطق مركز المدينة.
ويوضح أبو العبد أنه قبل البدء في افتتاح المحل وصناعة الكنافة وبيعها للزبائن، عمل "ورشات تجريبية" في بيته على مدار 3 شهور، وصنع العديد من وجبات الكنافة النابلسية بالأدوات المتوفرة في إسطنبول، وقدمها لأهل بيته وأصدقائه كي يعطوا رأيهم وملاحظاتهم فيها ويأخذها في الاعتبار، وكي يتفادى أي فشل للمشروع.
ويضيف أنه استمع إلى نصائح العديد ممن سبقوه في اسطنبول وعملوا في مهنة صناعة الحلويات ولديهم معرفة في ظروف المشاريع الربحية، وقد جمع منهم ما يلزمه لانطلاقه بنجاح في المشروع وتجنب الخسائر التي يمكن ان تواجهه.
ويتابع: "من ضمن العقبات التي واجهتني دفع أجرة مسبقة قبل امتلاك المحل، وهي ما يعرف في تركيا "بالخلوْ"، ويقدر بحوالي 150 ألف دولار، وهو عبارة عن تعويض للمستأجر الذي كان يتملك المحل قبل إخلائه، إضافة الى الأجرة الشهرية العالية التي تُدفع لصاحب المال.
ويشير أن لديه محل لبيع الكنافة النابلسية بمدينة رفح في قطاع غزة حيث يسكن، ويُعد مدخل رزق له ولعائلته هناك.
ويعتبر أبو العبد أن الجمهور الفلسطيني والعربي يزوره ويتزايد يوما بعد يوم، وأن طموحه لا يقف هنا، انما يفكر بجلب المزيد من الفلسطينيين والعرب والأتراك الى محله وحلوياته التي يصنعها.
جدير ذكره أن المطاعم الفلسطينية في إسطنبول، فيتواجد في المدينة نحو 13 مطعما فلسطينيا، تقدم وجبات متنوعة، بعد أن كانت تقتصر على مطعمين فقط عام 2015.