نابلس - ريما السويسي - النجاح الإخباري - هي معركة حامية الوطيس تبدأ تفاصيلها وأحداثها بالنشوب حين يقرّر الزوج، بعد وفاة زوجته، الزواج بأخرى كونه أصبح وحيداً لا يقدر على العيش بمفرده، وتشتد طقوس هذه المعركة إذا كان هذا الزوج كبير السن وهنا يصبح الخوف على الميراث سيد الموقف حين يخشى الأبناء أن تأتي زوجة أب "غريبة" تشاركهم الميراث.
وفي هذه المرحلة يقرّر الأبناء منع هذا الزواج برفض الفكرة جملةً وتفصيلاً، ويحتدم الأمر ويصل إلى مراحل معقدة من الخصام والتهديد والوعيد تجاه الأب صاحب الفكرة بل ويصل الأمر إلى محاولة الحجر على الوالد قضائيًّا وهنا يكمن نوع جديد من عقوق الوالدين حيث حرمان الأب، أبسط حقوقه الإنسانية وهو الزواج ممن تعينه في كبره وترعاه.
خوفاً على الميراث
يقول السبعيني أبو محمد (ض) حول الخلاف الذي احتدم بينه وبين أولاده حينما عرض عليهم فكرة الزواج بأخرى ويقول بكل أسى وحسرة: "بعد وفاة زوجتي أصبحت أعيش وحيداً في بيتي لدرجة أصبحت لا أطيق البيت فلا ونيس ولا معيل يقوم بخدمتي وذات يوم عرض علي أحد أصدقائي أن أتزوج وطابت لي الفكرة".
ويضيف: "ما إن طرحت الفكرة على أولادي، وجميعهم متزوجون، حتى أخذوا يتندرون معتقدين أنَّني أمزح، وحين أخبرتهم نيتي الجادة بالزواج من أخرى حتى شنّوا الهجوم ضدي لدرجة أنَّ أحد أبنائي اتَّهمني بالخرف (الزهايمر)".
"هم يخشون أن تقاسمهم زوجتي الجديدة البيت والراتب وبقية أملاكي، ويخشون أكثر أن أنجب ولداً فيصبح شريكهم في كلّ شيء وللأسف فقد عدلت عن الفكرة وها أنا أعيش وحدي رغم أنني مريض".
يذكر أنَّ الحاج أبو محمد يحصل على راتب تقاعدي بعد عمله في وكالة الأونروا ويملك بيتاً يتكون من ثلاثة طوابق وهنا يكمن سبب رفض الابناء الحريصين على ميراثهم.
ويختم أبو محمد شكواه حيال الواقع الذي يعيشه فيقول: "كمحاولة أخيرة توجّهت لإحدى بناتي كي تقنع بقية إخوتها بالأمر، ولكنَّها هي الأخرى رفضت الموضوع بحجة أنَّني رجل طاعن في السن، وأنَّهم ليسوا بحاجة إلى غريبة تقاسمهم ملكهم بعد وفاتي خاصةً إذا أنجبت".
تهديد بالحرق
عادل (28) عامًا فيصرّح بكلّ جرأة كيف رفض زواج أبيه البالغ من العمر (65) عاماً وذلك بتهديده بالحرق ويقول: "بعد وفاة والدتي بأربع سنوات قرَّر والدي الزواج بأخرى، وكان قد اتّفق سرًّا مع إحداهن على الزواج، وتمَّت الخطبة دون أن ندري وحين علمت بالأمر واجهته بغضب عارم وقمت بتهديده بالحرق فأنا لا أسمح أن تحل أخرى محل والدتي، بالإضافة إلى أن والدي لم يعد صغير السن وقد وصل بي الأمر إلى تهديده بالقتل حرقًا أو حرق البيت بأكمله إذا تمّ الزواج".
ويضيف عادل: "حينما واجهت أبي بالتهديد عدل عن فكرة الزواج، وتمسكت برأيي فترة طويلة، والنتيجة أن رضخ والدي للأمر الواقع فجميعنا (أولاده وبناته نعارض زواجه وكانت قد امتدت المشاكل قرابة ستة أشهر".
"وبعد أن تزوجت أخواتي شعرت أن والدي فعلاً بحاجة لمن يعيله ويقوم على خدمته فزوجة الابن ليست كالزوجة ويومها ذهبت لوالدي وأخبرته بموافقتي على زواجه وفعلاً تمَّ الزواج"، وفقاً لحديثه.
أما عن سبب رفضه لفكرة زواج أبيه، يؤكّد عادل أنّ السبب يعود إلى خوفه من فكرة زوجة الأب في ألا تتعامل معهم بشكل طيب وكما ينبغي، بالإضافة إلى خوفه من أن يكون هدف الزوجة من الزواج هو الميراث فقط.
هذا ويتحقق الشيء الذي يخشاه الأبناء بعد وفاة الأب إذ تشاركهم الزوجة كلّ شيء حسب الشرع والقانون خاصةً إذا أنجبت، لكن هل هذا مبرّر كافٍ لمنع زواج الأب؟
زوجة الأب نصيبها الثمن
تقول هويدة منتصر (44 عامًا) بعدما كسبت دعوى قضائية كانت قد أقامتها بعد وفاة زوجها للحصول على حصتها من الميراث بعد أن طردها أولاد زوجها بعد انقضاء أيام العزاء: "تزوجت برجل كبير السن بعد وفاة زوجته واستمر زواجي ثلاث سنوات وتحملت أوجاع الحياة خاصةً وأن عائلة زوجي (خاصةً الأبناء) معترضون على هذا الزواج".
وتؤكّد: "بعد وفاة زوجي رأيت في عيون العائلة نظرة غريبة يملأها الحقد، وكأنَّني سبب موته حتى طردوني من البيت بمجرد انقضاء أيام العزاء الثلاثة وحينها توجّهت إلى القضاء طلباً لحقي الشرعي في الميراث خاصةً وأن أبناءه كانوا يحاولون الحصول منه على تنازل آخر أيام مرضه".
"بعد أيام من عزاء زوجي تفاجأت أنَّ أبناءه بدأوا بتقسيم التركة دون دعوتي أو إعطائي حقي الشرعي"، وفقاً لحديثها مبيّنة أنَّها رغم ذلك التمست لهم العذر فطلبت منهم الحصول على نصيبها الذي كفله لها الشرع، لكنَّهم رفضوا قائلين: "أنت غريبة وكنتي طمعانة بأبينا ويكفي ما حصلتي عليه".
وبعدما توجَّهت إلى القضاء والقانون للفصل في هذه المشكلة، وعيَّنت محاميًّا أوكلته مهمة استرجاع حقوقها، تمَّ الحكم بعد أشهر من رفع الدعوى لصالحها بحصولها على ثمن الميراث، داعية كلّ امرأة أو زوجة لعدم التنازل عن حقوقها الشرعية في ميراث زوجها المتوفي.
هذا ووفقاً لمصادر قضائية فإنَّ منتصر هي حالة من مئات الحالات المنظورة في المحاكم الشرعية في غزَّة تطالب بحقها الشرعي من ميراث الزوج بعد وفاته.
الشرع: يجوز منع الأب من الزواج بشرط!
في هذا السياق يثور التساؤل التالي: شرعاً هل يحق للأبناء منع والدهم من الزواج؟ يجيب على هذا التساؤل الشيخ حسن الجوجو رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي فيقول لـ"النجاح الإخباري": "الزواج بتكليفه الشرعي له خمسة أحكام (واجب، حرام، مكروه، مندوب)، وفقاً لنوع المكلف وما يترتب عليه من عدل وتحقيق مقاصد الزواج".
"فإذا كان الأب يملك زمام أموره ويحسن التصرف في أمواله وأملاكه وغير محجور عليه فله مطلق الحرية في التصرف في أموره دون وصاية أو تدخل من أي طرف كان"، وفقاً لحديثه.
ويؤكّد الجوجو: "لا مانع من زواج الأب كبير السن بعد التحقق من عدم وجود موانع شرعية وقانونية أما إذا ثبت العكس يُمنع الزواج".
قانوناً: الحجر يحتاج شروطاً
أما فيما يتعلق بالشق القانوني للمنع من عدمه، يقول المحامي إياد عاشور (محكم شرعي معتمد) في حديثه لـ"النجاح الإخباري"، حول قضية تمَّ التوجه فيها إليه للترافع فيها: "جاءني أحد الأبناء معترضاً على زواج أبيه البالغ من العمر (67) عامًا بدعوى الحجر، وحين استمعت للتفاصيل أخبرته بأنَّها قضية خاسرة ولن تكون في صالحه والسبب عدم استيفاء الشروط القانونية للحجر والتي تشترط أن يكون الأب كبير السن غير مدرك أو مميز".
ويضيف: "لا يوجد في القانون مادة يستطيع الأولاد من خلالها منع زواج الأب كبير السن إذا كان عاقلاً يدرك تماماً ما يفعل".
"خوف الأبناء على الميراث ليس مبرراً لمنع زواج هذا الأب طالما أنَّه يعي ما يفعل"، وفقاً لحديثه.
إذا فهو العقوق الجديد الذي يمارسه الأبناء ضد الآباء ويحدوهم في هذا العقوق الطمع المادي بكلّ شراسة متجاهلين ما قد يحتاجه الأب من معيل وونيس يتمثل في زوجة أو في ابن يملأ عليه وحدته في آخر أيام حياته.
يذكر أنَّ قطاع غزَّة يعاني من منظومة اجتماعية تتعلَّق بخلافات شديدة ومشاكل لها علاقة بالميراث فهناك من يقوم بحرمان بناته من ميراثه بالتنازل عن أملاكه للذكور من الأولاد وهناك إخوة يتنكرون لحق إخوتهم من الإناث والذكور في الميراث الذي كفله الشرع والقضاء وهناك من يحاول الحجر على والده خوفاً على الميراث من شركاء جدد.