غزة - مارلين أبوعون - النجاح الإخباري - تحاول أن تحبس الأم دموعها، وتتحلى بالصبر والإيمان، ولكن الدقائق تطول على اختفاء ابنها ووحيدها من بين الذكور، وطفلها الذي طالما انتظرته على مدار (15) عامًا، حتى رزقت به، وبعد عامين ونصف يختفي بغمضة عين دون أيَّة مقدمات.
الطفل محمود شقفة ذو العامين ونصف والمختفي منذ أربعة أيام، حرق قلب والديه وأهله، وكل من يعرفه ولا يعرفه، فقصة اختفاء محمود أصبحت بشكل سريع قضية رأي عام، انشغل فيها الجميع لمساندة العائلة بالبحث عن الصغير في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، ومن لم يتمكن من الوصول لبيت العائلة، تواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتقديم المساعدة، ونشر صورة الطفل، ومناشدة من يرآه بالتواصل عبر أرقام هواتفهم لعلّ وعسى يمسك أحدهم بطرف خيط يعيد الأمل لأمّه.
أمس خرج العشرات من سكان مدينة رفح مجتمعين أمام مستشفى الإماراتي القريب من منزل المفقود، في عملية بحث واسعة، أملًا في العثور على ما يدلُّهم على مكان الطفل، ومصيره المجهول حتى اللحظة.
وحسب ما ذكر أهله أنَّ الطفل مفقود من مساء يوم الإثنين في تمام الساعة الخامسة دون معرفة هل هو على قيد الحياة أم فارقها، في ظلّ عديد من التساؤلات التي راودت نشطاء التواصل الاجتماعي حتى باتت القضية الأبرز والأهم، في اليومين الماضيين.
"سابوا البلد كلها ،ومالقوا غير ابني ياخدوا"
بالكاد تخرج كلماتها البسيطة من حنجرتها، ودموعها التي أصبحت لا تفارقها صباح مساء، تقول أم محمود موجّهة رسالتها لجميع من سمع بقصة اختفاء ابنها ،أو من يراها : "ابني اختفى يوم الإثنين، طلع عشر دقايق على الباب، واختفى، ما خلينا مكان ما فتشناه، راح الولد، مش ملاقيين إلا ابني ياخدوا؟! سابوا البلد كلها ومالقوا غير ابني ياخدوا؟! حسبي الله ونعم الوكيل."
وأضافت الأم المكلومة: "أناشد الجميع أن يبحثوا معنا عن ابني، امانة جيبولي إياه مش قادرة أكثر من هيك."
ووجعها لا يقل عن والده الذي تتحجر دموعه في مقلتيه حزناً على فقد أغلى ما يملك، والذي لم ييأس بأن يجد ابنه سالمًا، ويعيده لحضنه مرَّة أخرى، يقول: "ابني ما بيطلع لحاله،إلا إذا راح ع السوبر ماركت، جنب البيت، وما بيطلع إلا معي أو مع خواته، أيام وابني مختفي ولا جديد، برغم عمليات البحث، أتمنى تكثيف البحث أكثر، فهو طفل صغير، ما بيتحمل إلي بيصير معه."
تشاركهما الحديث عبر فيديو قصير مصور للأم والاب، خالة الطفل محمود التي أخذت تتحدَّث بحرقة وألم على فقدان ابن أختها، تقول: "هذا طفل، ما بعرف كيف طفل في مثل سنه يروح من بين إيدين أمه وأبوه،هيك بلمح البصر، اتطلعوا على حالة أمه وأهله، حرقوا قلب الكل عليه، وإن شاء الله إلي حرق قلب أختي ينحرق قلبه يارب، وإلي أخذه يرجعه، أمه صار معها إنهيار عصبي، وكلّ لحظة بتكون بالمستشفى، وأكثر من هيك حرام،وحسبي الله ونعم الوكيل على أولاد الحرام."
مكافئة مالية لمن يدل على مكان محمود وهاشتاقات تعبيراً عن تضامنهم مع العائلة والطفل
ومنذ اختفاء محمود لم تهدأ مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تناقل رواده الخبر مثل النار في الهشيم، وبسرعة البرق، يضعون صورة الطفل لعلّ من رآه أو وجده أن يعيده إلى أهله.
إحدى المشاركات من حيّ الشجاعية، عبر تويتر: "في مدينتي طفل مفقود...من يضمن لها نومًا؟ وإن نامت، ما حال الكوابيس؟كيف سيهدأ لها سر؟وإن هدأت، من سيشعل الفوانيس؟ محمود يا طفلي المفقود عُد لأمك سالمًا... فلا خير فينا إن لم تعود...#محمود_شقفة ليلة هادئة اتمناها لك حبيبي.
أحمد كساب كتب على حسابه:" يا الله بهذه الساعة المباركة رُد الطفل #محمود_شقفه إلى أمه كي #تقرَّ_عينها كما #رددت_موسى إلى إمه ?
محمود النحل :" اللهم انا نستودعك هذا الطفل فرده إلى أهله ردًّا جميلًا#اللهم_رده_الى_أهله_سالماً_غانماً، وحسبي الله ونعم الوكيل.
أيضاً وصل الحال ببعض العائلات الكبيرة في جنوب القطاع، وبعض الأشخاص، لوضع إعلان فيه مكافئة مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات عن الطفل، أو من يعيده لحضن أمه وأبيه، وهذا الفعل ليس غريبًا على شعب متّحد مع بعضه البعض في أحلك الظروف، وأسعدها، تجد الكبير والصغير يقفون بجانب بعضهم يآزرون الضعيف والمكلوم حتى تنتهي محنته.
من الجدير ذكره أيضاً أنَّ عائلة محمود شقفة هي الأخرى وضعت مكافئة مالية وصلت لـ(2000$) لمن يوصلهم لابنهم ولمكانه،ومن أجل تسريع عمليات البحث عن صغيرها.
شائعات مغرضة فوق احتمال عائلة محمود
وعلى الجانب الآخر من هذه الحكاية مجموعة قليلة ممن لا يمتون للإنسانية بصلة، بل أصبحوا يتلاعبون بمشاعر عائلة الطفل، وكلّ من يتعاطف معه، بإطلاق بعض الشائعات، فتارة تجدهم يبثون سمومًا بأنَّ الطفل وجد مقتولاً، أو أنَّ الشرطة وجدت ملابسه على سطح إحدى الصالات وهي غارقة بدمائه، وأنَّ وراء هذه القصة هي امرأة، وتارة أخرى معلومات تقول بأنَّه عُثر على الطفل محمود، وكلُّ هذه الأخبار المغرضة تدخل العائلة في وضع أصعب، وتقض مضاجعهم وتحرق قلوبهم أكثر، لذلك مثل هذه الشائعات تلقى استنكارًا واسعًا من الجميع، فتجدهم يواجهون مروجوها بأقسى العبارات والردود.
وفي آخر تطور لقضية اختفاء محمود،المتحدث باسم شرطة غزة، أيمن البطنيجي ،أكَّد على عثور الأجهزة الأمنية على ملابس الطفل المفقود برفح، فوق سطح إحدى الصالات، وهو ما يعتبر الخيط الأول نحو كشف ملابسات اختفاءه.
وبعد مرور (4) أيام على اختفاء محمود، وفي ظلِّ عمليات البحث المكثَّفة من قبل الشرطة والعائلة والمواطنين، يظل مصير محمود يلفه الغموض.