غزة - ابتسام مهدي - النجاح الإخباري - أنجبت البنت الخامسة فقرَّر أن يتزوج عليها، لم ينتظر طويلًا، قبل أن يمرّ شهر على أنجابها أعلن الزواج بأخرى.
مشكلة تتعرّض لها الكثير من الزوجات تروي تفاصيلها تقول الزوجة هدي محمد لـ"النجاح الإخباري" :" لم يخبرني بنيته بالزواج وحتى لم يقف إلى جانبي في ولادتي، لم يحمل طفلته ورفض تسميتها، شعرت وقتها أنَّ أمرًا ما يدور في رأسه، وبعد أسبوع أخبرتني والدته أنَّه سيتقدم لقريبة له، وهي مطلقة وقد أنجبت ذكرًا من زوجها الأول."
ورغم أنَّ هدى (28) عامًا كانت في فترت النفاس، ولكنَّه لم يحاول أحد أن يواسيها ويقف بجانبها بل على العكس الجميع حمَّلها مسؤولية زواج زوجها عليها كونها لم تنجب الذكر .
وتضيف: "وكأنني أنا من أتحكم في تحديد جنس المولود، فقد كنت أتصارع مع نفسي وجسدي دون فرصة أرتاح فيها من عناء الأنجاب، خلال 7 سنوات فقط، أنجبت خمس بنات، كنت أحمل بشكل سريع بعد الولادة على أمل أن أنجب الذكر".
ولقد قاطع الزوج عائلته وبناته، ولم يعد يسأل عنهن إلا بعد أن أنجبت له زوجته الجديدة طفلة، فعاد الزوج لأسرته مطالبًا هدى أن تبحث عن طريقة لإنجاب ذكر، تحت إلحاح والدته وذريعة "ابن يحمل اسمك"، بحسب هدى.
وأشارت هدي إلى أنَّ زوجها والبعض من الأزواج نتيجة جهلهم وعدم وعيهم يحملون المسئولية للمرأة في عملية الإنجاب والعكس هو الصحيح، فتوضّح أنّها قرأت عن الموضوع وسألت كثيرًا، فعرفت أنَّ المسئول الأول والمباشر هو الرجل لأنَّه المسؤول ن تحديد جنس المولود، إلا أنَّ المرأة لا زالت مستضعفة.
تعيش بعض الزوجات حالة من القلق والترقب بعد كل حالة حمل خاصة إذا كانت لا تنجب سوى الإناث خوفًا من الطلاق وهو ما حدث بالفعل مع الكثيرات.
المواطنة رندة محمود عاشت حاله لا يمكن أن توصف وفق قولها عندما أنجبت ثلاث بنات فقد أرسلها لبيت عائلتها بعد شهر من أنجابها ومن ثمَّ طلَّقها دون نقاشها ولكون وضعه المادي جيّد فقد دفع لها كل حقوقها، وأعلن بعد ذلك زواجه من أخرى كانت قد انفصلت عن زوجها و لديها ثلاث الأولاد ذكور .
وقالت رندة: "لا أعلم سبب طلاقي الحقيقي ولم أحاول أن أطالب برجوعي فقد طلقني ولم يكن بيننا أيّة مشاكل فقط كوني أنجبت ثلاث بنات وقد تزوج وأنجبت زوجته أبنتين ".
رندة التي تزوجت بعد سنتين شابًا توفيت زوجته وكان لديه طفلة، وأنجبت منه ثلاثة أولاد، وتعيش بوضع اجتماعي جيد، ولكن ما ينغص حياتها أنَّها بعد زوجها حرمها زوجها السابق من بناتها، وتقول: "أمنيتي اليوم أن يتعرَّف بناتي على أخوتهن حتى يكونوا سندًا لهن في كبرهن".
ومن جانبها تجد الأخصائية الاجتماعية النفسية فداء عمر أنّ هناك عدة أسباب وراء تحميل المرأة المسئولية عن إنجاب البنات منها العادات والتقاليد والفهم الخاطئ للدين والجهل من قبل الأزواج وبعض الأسر، فمجتمعاتنا مازالت مقصّرة في استيعاب معنى الحياة والإنسان، مازال ينحاز إلى الذكور ويغيب المرأة.
وتتابع حديثها :" إنجاب الذكور في معتقد المجتمع الشرقي ليحافظ على اسم الأب، فالولد يحمل اسم أبيه وهو مصدر عزوة ومعين وضمان للأبوين في حالة عجزهم عند الشيخوخة، أما الأنثى فيعتبرها عبء اقتصادي ومصدر قلق للأسرة، حتى اذا تزوجت أنجبت لعائلة أخرى، وفق مقولة "ابن ابنك الك وابن بنتك مش الك".
هذا الأمر له التأثير البالغ على نفسية الأم وفي هذا السياق قالت الأخصائية: "إن معاملة الزوج أو المجتمع للمرأة المنجبة للبنات سيؤثر عليها من الناحيةالنفسية"، موضحة أنَّ الأم ستشعر بعدم الثقة بالنفس والانطواء والانعزال والشعور بالوحدة والحزن والخوف من المستقبل.
وتبيّن أنَّ هناك أمثال شعبية كثيرة تسخر من إنجاب الإناث مثل: "البنت الحلوة نص مصيبة"، و"يا جايبة البنات يا شايلة الهم للمات"، و"موت البنات سترة"، و"يا أبو البنت ما تعوزها مسيرها لبيت جوزها"، وقالوا في المثل: "ولما قالوا غلام انسند ضهري وقام، ولما قالوا بنيّة انهدت حيطة عليّ"وتؤكد أنَّ هذه الأمثال هي سبب كبير في ترسيخ الظاهرة.
وتجزم الأخصائية أنَّ العلاج يكمن في التوعية والتثقيف والأيمان بالمقسوم والثقة بالنفس، وأنَّ الأرزاق بيد الله فليس مجيء الأنثى لأهلها مصدر شؤم ولا الذكر شرف، ونحن لا ندري أيهما أنفع لأبويه ولمجتمعه من الأخر فكثير من البنات من قدمت خدمات جليلة لأهلها ولوطنها والبنت الفلسطينية تحملت الكثير خلال السنوات الماضية والتاريخ لا ينسي ذلك أو يحجمه .
ومن جانبه أكَّد الدكتور ماهر السوسي أستاذ الفقه المقارن المشارك كلية الشريعة والقانون أنَّه لا يخفى على أحدٍ مِن الخَلق فضلًا عن المسلمين ، أنَّ الأبناء رزقٌ من الله، وتحديدُ جنسِهم ذكورًا أم إناثًا هو مِن قدَر الله سبحانه؛ كما قال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُإِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ(.
وأضاف :"أن مِن شروط الإيمان: التسليم والاستسلام لقضاء الله وقدَره، لا سيما في الأمور التي لا كسْب لأحدٍ فيها؛ أعني لأمور الجبرية كالإنجاب،كما أن علينا الرِّضا بما يرزق الله مِن ذكرٍ أو أنثى، وحمدَ الله تعالى على كل حالٍ، وكذلك نعلم جميعًا - نحن المسلمين أنَّ الخيرة فيما يختاره الله" .
وأكَّد السوسي أنَّ القرآن الكريم قد ذمَّ أفعالَ مُشركي الجاهلية المتمَثِّلة في عدم الرضا بالأنثى وأنَّها من فساد العقيدة ؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْبِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾.
منوَّها إلى أنَّهم كانوا مِن جهلِهم وظلمهم يكرهون البنات كراهةً شديدةً، وإذا رزِق أحدهم فتاةً يسود وجهه حتى يصبح كاظمًا على الحزن والأسف.
وتطالبت الزوجات من أمهات البنات أن يتم توعية الأزواج بحقيقة الإنجاب وتبعياته للتأسيس لحياة زوجية سليمة أساسها الحق والعدل والوفاء.