غزة - هاني ابو رزق - النجاح الإخباري - إعاقة أصمتت العالم من حولها، فلا تسمع إلا صوت روحها، هدوء وفّر لها فرصة تركيز عاليّة جعلتها تبدع في صناعة الحلويات وتتفوق على من يسمعون كلمات الإطراء والتمجيد، أما مكافئتها فكانت تلك الدهشة التي ترتسم على ملامح كلّ من رأها وتذوق حلوياتها.
رغم مرور (29)عامًا على إعاقتها السمعية إلا أنَّ ميساء مرتجى، لم تنطوِ على نفسها، وقفت متحدية الظروف التي أحاطت بها، وصنعت من إعاقتها التي أبصرت النور معها محطة انطلاق جديدة في حقل الإبداع، لتخوض غمار النجاح بنكهة من الإصرار والإرادة التي أثبتتها حينما أبدعت بصناعة الحلويات.
بحركات فيها من الخفة ما فيها، وبهدوء يمنحك السعادة، تلتقط ميساء حبيبات الكرز الحمراء لوضع اللمسات الأخيرة على قوالب الكيك التي صنعتها بيديها، لنقلها لاحقًا إلى مطعم سنونو حيث تعمل، ليتناوله الزبائن بعد الوجبات.
في صباح اليوم التالي تقوم بنقل ما في جعبتها من حلويات برفقة صابرين صاحبة المطعم الذي تمَّ افتتاحه حديثًا، ترتّب قوالب الكيك داخل بترينة زجاجية، بطريقة ملفتة لكل رواد المطعم خاصة فئة الصم الذين أصبحوا يعرفون" ميساء "رغم المدة القصيرة التي أمضتها هناك.
ميساء التي لا تسمع ولا تنطق، هي داخل مطبخ الأحلام شخص آخر، جعلت من الحلويات مشهد ينطق، تحمل قالب الكيك بصمت، هذا كان قدرها بحياتها العفوية التي تتشبَّث بها كلما حاولت الإفلات منها، تريد أن تستظل تحت مظلة العمل لتصنع الأمل وتسير في طريق النجاح.
تخطط في ذهنها الصورة التي ستبني اللقالب عليها، ثمّ تشرع بصناعة العديد من الأصناف الاخرى، كالكريب ، والوافل ، والبان كيك، والكنافة بالنوتيلا، والتشيز كيك، والدونات، خلال مقابلتنا لها وكانت مقابلة مختلفة تمامًا، حملت ميساء هاتفها، لوّحت لغة الإشارة ثمَّ كتبت على شاشة الهاتف: "أبلغ من العمر (29) عامًا أسكن حيّ الشجاعية شرق قطاع غزَّة، عملت داخل العديد من المطاعم داخل القطاع في صناعة الحلويات، أولها مطعم لفئة الصم، وأنا الآن أعمل في مطعم السنونو.
وتابعت الكتابة على هاتفها المحمول وهي تبتسم : "أنا أعشق صناعة الحلويات وأرى في هذه المهنة تحدٍ لإعاقتي وأهدف إلى أن أكون إنسانة منتجة في المجتمع.
من جهتها صاحبة المطعم صابرين قالت لـ "النجاح الإخباري": "افتتحت المطعم الذي يختص بصناعة العديد من الوجبات المختلفة، أعمل به أنا وأفراد عائلتي قبل حوالي شهر فأردت أن تكون هناك زاوية خاصة بصناعة الحلويات ملأتها ميساء بحلويات رائعة، مشيرة إلى أنَّ ميساء أصحبت جزءًا من عمال المطعم وعددهم تسعة أفراد.
وأضافت: "قبل انضمام ميساء إلى المطعم كنت اعتقد أنَّ التعامل مع الصم صعب، لكن ميساء أثبتت عكس ذلك تمامًا حتى أنَّني أصبحت أفهم لغة الإشارات التي يستخدمونها في حياتهم اليومية، مبيّنة أنَّ ميساء من أفضل الأشخاص الذين يصنعون الحلويات داخل قطاع غزَّة وحلوياتها تحمل مذاقًا مميزًا ومختلفًا.
وتابعت قائلة: "أردت أن أضيف شيئًا مميّزًا وغير مألوف داخل المطعم، فكانت هذه الإضافة بانضمام ميساء، التي بحضورها استقطبت العديد من الأشخاص من فئة الصم الذين يتوافدون على المطعم بشكل يومي.
وأشارت" سنونو" إلى أنَّه من المهم جدًا تشغيل فئة ذوي الإعاقة السمعية في جميع المطاعم والمقاهي والمؤسسات الموجودة داخل القطاع لدمجهم داخل المجتمع وممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
وبيَّنت سنونو أنَّها وميساء تقومان بصناعة الحلويات داخل منزلها؛ لأنَّ الحلويات تحتاج إلى مكان مناسب حتى لا تمتزج رائحتها برائحة الطعام.
واختتمت سنونو حديثها بموقف طريف قائلة: "في أحد الأيام أتى إلى المطعم زبون من ذوي الإعاقة السمعية، فطلب من الموظف أن يبتسم فلم يفهم الموظف ما يريده الأصم، فرسم صورة عليها وجه يبتسم، موقف أعجبني وأردت تخليده فعلقتها على جدار المطعم لتكون ذكرى جميلة.