النجاح الإخباري - في أحدثِ بيانٍ حقوقيّ حول معتقلي حراك "بدنا نعيش" في قطاع غزة، أكّدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أنّ "عدد من احتجزتهم الأجهزة الأمنية على خلفية علاقتهم بالحراك زاد عن 1000 مواطن"، لا يزال 300 على الأقل رهن الاعتقال.

ورصدت الهيئة، منذ بدء فعاليات الحراك الذي يُطالب بتحسين الأوضاع المعيشية بتاريخ 14 مارس، مُخالفات قانونية جسيمة اقترفها الأمن ب غزة بحق متظاهري الحراك وصحفيين وحقوقيين. مع رفضهم المطالب المتكررة لزيارة المعتقلين.

وذكر عدد من المُفرَج عنهم من زنازين الأجهزة الأمنية، واحدٌ منهم كان المواطن أشرف عبد الرحمن (42 عامًا)، الذي جرى اعتقاله يوم الخميس 14 مارس، مع شقيقه التوأم شريف، وعلى مدار 4 أيامٍ تعرّضا للتعذيب والضرب.

وفي تفاصيل ما جرى، روى أشرف لموقع بوابة الهدف "كُنت واقفًا مع مجموعة من الناس قرب منطقة الترنس في مخيّم جباليا، وفجأة توقفت أمامنا مركبة وتم اعتقالي أنا وشقيقي مع آخرين، واقتيادنا إلى مركز الشرطة الذي احتجزونا فيه عدّة ساعات قبل أن يتم نقلنا إلى مقر الاستخبارات".

وأضاف "فور وصولنا إلى مقر الاستخبارات، مساء الخميس، اصطفّ طابوران من العساكر هُناك، واستقبلونا بالضرب المبرح والتعذيب القاسي، وغصبونا على خلع ملابسنا، وهذا كان فقط البداية".

"داخل أقبية الاستخبارات، تعرّضنا للكثير من التنكيل والضرب والتعذيب، وسكبوا علينا الماء البارد في ظلّ البرد الشديد بعد منتصف الليل، وسط كيلٍ من الشتائم، وبعد التعذيب شبحونا، وأجبرونا على الوقوف مرفوعي الأيدي، ودماؤنا تسيل، لساعات طويلة". قال أشرف، وتابع "كُنا نقول لهم: نحن كوادر في الجبهة الشعبية، التي تلتقي معكم في كثيرٍ من الأمور وتدعو دومًا للوحدة الوطنية، لكنّهم كانوا يردّون علينا بأن الجبهة انحرفت عن مسارهم. ثمّ لم يُلقوا بالًا لأي شيء ممّا كُنا نقوله، وكانوا يُواصلون ضربنا وشتمنا ونعتنا بالجواسيس والعملاء".

الأسير المحرر أشرف عبد الرحمن، الذي اعتقله الاحتلال بالعام 1989، لم يشفع له تاريخه النضالي ولا صفته التنظيمية، ولا حتى صراخُه المتكرر لمن يضربونه بأنّه جريحٌ وأجرى عملية جراحية في قدمه ولا يحتمل التعذيب، لم يشفع له كل هذا، كما لو كانت هُناك تعليماتٌ عُليا لهؤلاء العناصر بصمّ الآذان والضرب كالآلات بدون توقّف، مهما يكُن سنّ أو صِفة أو الوضع الصحي للمُعتدى عليه.

"خمسُ شهورٍ قضيتها في سجون الاحتلال لم تُساوي نصف يومٍ من التعذيب لديهم (الاستخبارات العسكرية التابعة لحماس)، 4 أيامٍ مُدة اعتقالي، أٌقسمُ بأني شعرت كأنها 4 سنوات"، قال أشرف، الذي لا يزال شقيقه شريف (42 عامًا) مُعتقلًا في مقرّ المخابرات، ولا يعلم أحد متى سيتم الإفراج عنه.

الشاب أحمد غنيم، الذي يعمل ممرضًا في المستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة، اعتُقل يوم الخميس 14 مارس، واستمر احتجازه حتى ليل الاثنين من الأسبوع التالي. لم يُفصِح لبوابة الهدف عن ما تعرّض له خلال الأيام الأربعة التي قضاها في أقبية مقرّ الاستخبارات العسكرية.

وقال غنيم "كنتُ في طريقي إلى منزلي بعد أن أنهيت دوامي في المستشفى، وتحديدًا عند مفترق مركز شرطة جباليا حيث كان يُوجد جمعٌ من الناس، وبينما كنتُ واقفًا أرقُب ما يجري، ترجّل عددٌ من عناصر الأمن من (جيب) واعتقلوني مع مجموعة من المواطنين، ونقلونا إلى مركز الشرطة".

وأضاف "بعد نحو 6 ساعات نقلوني إلى مقر الاستخبارات العسكرية، وقرابة الساعة 1 بعد منتصف ليل الاثنين-الثلاثاء تم الإفراج عنّي". مُكتفيًا بذكر هذه التفاصيل خشيةً من العواقب.

الشاب بشير الجمل (27 عامًا)، اعتقلته الأجهزة الأمنية، بعد اقتحام منزلٍ في منطقة الهوَجة بمخيم جباليا، قال لبوابة الهدف "كُنت ضمن التظاهرة التي خرجت يوم الجمعة 15 مارس، وحين وصل الحِراك لمنطقة الهوَجة، توجّهتُ أنا وعددٍ من رفاقي إلى منزلٍ قريبٍ لصديقٍ من عائلة العجرمي، وبعد لحظاتٍ اقتحمت العناصر الأمنية المكان واعتقلتني مع أربعة آخرين".

جرى احتجاز المعتقلين في مركز شرطة جباليا، عدّة ساعات، وفور وصولهم تم الاعتداء عليهم من قبل أفراد يتبعون ما يُسمّى جهاز "الشرطة العسكرية"، وتعرّضوا للضرب بشراسة بالهراوات وأعقاب البنادق، وبعد نحو 3 ساعات، تم اقتيادهم لنقلهم إلى مقر الاستخبارات، وخلال سيرهم من بوابة المركز إلى باص النقل كان قرابة 30 عنصر أمنٍ يصطفّون طوابير ويعتدون عليهم بالهراوات، وكذلك كان الحال داخل الباص، حتى وصول المعتقلين إلى مقر الاستخبارات. عشرات العناصر كانوا بانتظار المعتقلين كذلك في المقرّ المذكور، وجولة أخرى من الضرب والتعذيب.

وبعد غصبهم على خلع الملابس وسكب الماء البارد عليهم، تم شبح المعتقلين، بإجبارهم على الوقوف عدّة ساعات مع رفع اليديْن، وإحدى الرجليْن، وكل هذا والسُّباب والشتائم البذئية واتهامهم بالعمالة والتخوين لا يتوقّف. تلا هذا احتجازهم في ما يُسمّى "الوقّافات" وهي زنازين ضيقة جدًا، بحجم 1 متر مربع تقريبًا، كان يُزجّ فيها قرابة 15 شخصًا، حتى كان بالكاد يُمكن إغلاق الباب عليهم داخلها.

التعذيب الجسدي لمن جرى اعتقالهم لم يكفِ الجلّادين، فلجأوا لأكثر من هذا، فكان التعذيب النفسي والمعنوي لهم، للتنكيل بكرامتهم وكسر إرادتهم، بين حلق شعر الرأس، وشتم الأم والأخوات والتهديد والوعيد بأذيّتهنّ واغتصابهنّ.

الشاب الجمل، قال "الحراك الشعبي الذي خرج في غزة لا يستدعي هذه الأساليب  في التعامل مع المتظاهرين، فمن خرج هم شبابٌ عاطل عن العمل، وفئات مهمشة تعاني الأمرين جراء الأوضاع المعيشية الصعبة، خرجوا ليُطالبون فقط بحياة كريمة تتوفر لهم فيها مقومات العيش والصمود، وهم ذاتهم الذين يخرجون في مسيرات العودة منذ عامٍ كامل، بل منهم جرحى أصيبوا خلال المسيرات، يُشاركون اليوم في الحراك لإعلاء صوتهم والمطالبة بحقوقهم".

وأكّد على أنّ "هذه الأساليب القمعية مرفوضة، سيّما وأن الحراك سِلمي وحضاري، ولم يقم بأي شكل من أشكال العنف أو التخريب، بل تفاجأ المتظاهرون بحجم القمع ورد الفعل العنيف من قبل الأجهزة الأمنية بحقهم منذ اللحظة الأولى للحراك".

وتساءل الجمل عن دور الفصائل والقوى الوطنية في الحراك الشعبي، داعيًا إيّاها إلى حماية المتظاهرين والحراك الشعبي العفوي، سيما وأنّ طرفي الانقسام، كليْهما، يستغلّون الحراك، فتارة اتهامه بالتخوين والتبعية لرام الله، وتارة أخرى استخدامه بمنطق الثأر من حركة حماس .

وختم بشير بالقول إنّ "من يُريد النضال المجتمعي والوطني يتحتّم عليه دفع الفاتورة، وكل من يحاول قمعنا وكسر إرادتنا لن يُحقق شيئًا من أهدافه هذه".

وتدعي قيادة الأجهزة الأمنية في قطاع غزةّ أن المتظاهرين ضمن حراك "بدنا نعيش" يعيثون فسادًا في شوارع القطاع ويعتدون على المقار الأمنية ومراكز الشرطة، وهو ما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الداخلية إياد البزم، ويتردّد من قبل وسائل الإعلام والنشطاء والمسؤولين التابعين لحركة حماس، الأمر الذي تتّخذه هذه الأجهزة ذريعةً لقمع الحراك.

ولم يقتصر القمع والاعتداء والاعتقال والملاحقة على متظاهري الحراك، إذ طال صحفيين وحقوقيين. وعليه طالبت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، في بيانها أمس، بالإفراج الفوري عن المحتجزين كافة، داعيةً النائب العام لفتح تحقيق رسمي وجدي ومستقل في الانتهاكات التي وقعت خلال فعاليات الحراك.

ما شهدته الأيام الستة الأخيرة، من قمع واعتداءٍ وتنكيلٍ وشبح، دفع مُواطنًا للقول "إن فعلَ أجهزتكم الأمنية لا يمكن أن يغفره الشعب، ولا يمكن نسيانه، وأن الحقد لا يلد الحبّ، والدم لا يروي الورود، لذلك أفيقوا قبل أن يبتلعنا طوفان الحقد والكراهية العمياء وقبل أن تكفر الناس بالمقاومة إذا ما بقيتم تتمسّحون بها معتقدين أنها غفرانًا لكل آثامكم".

حركة "حماس" أصدرت بيانًا مُطوّلًا، جدّدت فيه تخوينها للحراك الشعبي، الذي اعتبرته "مُخططّا خبيثًا" من السلطة برام الله لإحداث فلتان أمني وشقّ الصف الوطني بغزة.

وقالت "نرفض كل أشكال الاعتداء على أيّ مواطن، فسيادة القانون هي التي تحكم غزة"، وأضاف "نعرب عن أسفنا عن أيّ ضررٍ مادي أو معنوي"، داعيةً إلى "إعادة الحقوقي لأي طوفٍ وقع ظلمٌ عليه".

الكاتب والمحلل السياسي عماد أبو رحمة اعتبر البيان "جاء لتبرير عمليات القمع الوحشي،.. تحت مبررات (إحباط المؤامرة) التي تقف وراءها أجهزة أمن رام الله".

وقال إنّ البيان يتحدث بلغة الأسف، لا الاعتذار، ويطالب الأجهزة الأمنية، التي نكّلت بأبناء شعبنا "بإعادة الحقوق"، بدلًا من إعلان تشكيل لجنة تحقيق للكشف عن المسؤولين عن هذه الممارسات المخالفة للقانون ومحاسبتهم.

واستهجن أبو رحمة من إقدام حركة حماس على تحميل أطراف خارجية، المسؤولية عن الأوضاع الكارثية لقطاع غزة، أي للحصار الإسرائيلي والدولي وحكومة رام الله- وهذا صحيح- لكنّها تتنصّل من المسؤولية التي تتحملها هي "بفعل حكمها المنفرد لغزة، وإقامتها لنظام حكم زبائني وإدارتها الاقتصادية الفاشلة، وقمع الحريات".

ورأى أنّ تجاوز حالة الاحتقان الداخلي واستعادة الوحدة يتطلبان من حماس "الاعتذار الصريح لشعبنا المحاصر الصامد والمقاوِم عن كل عمليات القمع والتنكيل والإساءة، والإفراج الفوري عن كل معتقلي الحراك، وتشكيل لجنة تحقيق وطنية لكشف ومحاسبة كل المتورطين بالمسؤولية عنها.

قرابة أسبوعٍ من الأحداث الساخنة التي شهدها قطاع غزة، كان القمع الوحشيّ المشهد الأبرز فيها، رأى مراقبون أنّه إذا نجح في خنق أصوات المحرومين من لقمة العيش والحياة الكريمة، إلى حينٍ، فهو قطعًا لن يعالج المشكلات المتفاقمة للمواطنين في غزة، بل سيُساهم في تعزيز الاحتقان الداخلي ويوفر مزيدًا من الأسباب لانفجار قادم!